موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٢ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠

إن لم تتوبوا، تَهلِكوا بأجمعكم

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
المطران كريكور اوغسطينوس كوسا، أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك

المطران كريكور اوغسطينوس كوسا، أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك

 

"ضرورة التوبة والتينة التي لا تثمر" (لوقا ١٣: ١-٩)

 

عندما نقرأ هذا المقطع من الإنجيل المقدّس نرى في القسم الأول حادثتان مؤسفتان ذهب ضحيّتهما أشخاص كثيرين. نتسأل؟ من المسؤول الله أم الإنسان؟ أين هو الله من من هذه الأحداث والكوارث المفجعة؟

 

بل، أين نحن من الله؟

 

الإيمان ضروري لفهم احداث كهذه، والتوبة هي الأساس. إن مشكلة الألم هي مشكلة واجهت البشر في كل زمان ومكان، والسؤال هنا: لماذا يتألّم هؤلاء ويموتون وهم يعملون خيراً أي يقدّمون ذبائح؟

 

لم يقدّم يسوع تفسيراً لهذه الحادثة أو تلك، فالله غير مطلب بأن يقدّم لنا تفسيراً عن كل حادثة. فالطبيب الماهر لا يشرح لمريضه تفاصيل العمليّة الجراحيّة التي سيقوم بها. يكفي المريض ثقته في طبيبه، ونحن، كأولاد الله يكفينا أن نعلم أننا في يده، هو الضابط الكل، القوي، وأولاً وأخيراً هو ابونا ولا يتركنا أبداً، وإذا سمح بأي حدث ستكون نتيجته للخير لا للشر. فالله صانع خيرات وليس إله كوارث.

 

يقول القدّيس بولس في رسالته إلى أهل رومة: "إننا نعلم أنّ جميع الأشياء تعمل لخير اللذين يحبّون الله" (رومة ٨: ٢٨). ونحن لا يقّ لنا أن نحكم على أن الآخرين مخطئين بالضرورة إن وقعوا تحت الآلام، وأن نقول أن الأصحاء والأغنياء هم ابرار، وإلاّ لما مات المسيح نفسه وصُلب عنّا وهو البار. وبالتالي يجب أن لا نهتم بخطايا الآخرين، بل أن نهتم بخطايانا ونتوب عنها. ولذلك يكرّر السيد المسيح قوله مرتيّن: "إن لم تتوبوا تَهلِكوا بأجمعكُم كذلك" (لوقا ١٣: ٥).

 

امّا مثل التينة فهو يرمز إلى الإنسان المسيحي المزروع بسر المعموديّة في الكنيسة المقدّسة التي يرعاها الله، فهو الكرّام الذي يهتم بكرمه. وعلى كل إنسان مسيحي أن يقدّملله ثمار أعماله الصالحة، وإلاّ عرّض نفسه للهلاك. فالله رحوم وغفور يمنح الإنسان الفرص والوقت الكافي لكي يعمل ويأتي بثمار من خلال التوبة والندامة والرجوع عن الضلال إلى الحق.

 

ولكنّ الله عدل أيضاً. يقول أحد أباء القديسين: "إن الله يدين الإنسان حسب مبدأين: الرحمة والعدل. فإن كان يريد أن يُطبّق عدله فقط، فما من أحد يخلُص. وإن عامل برحمة فقط، تعمّ الفوضى والخطيئة على الأرض. إذاً الله  يحاسب بحسب رحمته وعدله معاً. ولكن يوم الدينونة رحمته تتغلّب على عدله".

 

هذا المثل هو إنذار لنا نابع عن عدل الله، وبشرى ساره أيضاً عن رحمته وحنانه تعالى.

 

فلنثق برحمته ثقة كاملة، ولنخَف عدله الإلهي خوفاً شديداً. فإن الثقة والخوف يتكاملان في قلبنا ويحملاننا على أن نعيش الحياة المسيحيّة الحّيه ونأتي بثمار شهيّة تفتح لنا أبواب السماء. فلنتضرّع إلى العذراء مريم طالبين شفاعتها، لكي نُدرك عطايا الله ومواهبه ونعمه لنا، فنّثمر ثماراً طيبة في حياتنا، ومن ثمارنا يعرف العالم بأننا تلاميذ المسيح.