موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٩ فبراير / شباط ٢٠٢١

أيّ تُراب أثمن من التُّراب الآخر؟

بقلم :
د. أشرف ناجح عبد الملاك - كولومبيا
كلّ شيء يموت لكي يحيا

كلّ شيء يموت لكي يحيا

 

دفنّا التُّراب في التُّراب ومعه؛

فكما يقول الكتاب المقدّس عنه:

«لأَنَّكَ تُرابٌ وإِلى التُّرابِ تعود» (تك 3/ 19).

ولكن أيّ تُراب أغلى وأثمن من التُّراب الآخر يا ترى؟

هل تُراب الأوّلين البعيدين في الزّمن المنصرم،

أم تُراب الأخيرين القريبين من وجودنا وحاضرنا،

أم تُراب القاطنين معنا والقائمين في حياتنا؟

 

لا أدري، يا صديقي؛ فمَن منّا يدرك قيمة التُّراب المدفون أو حتّى الدّافن،

أيْ التُّراب المتواري تحت الأرض والتُّراب المتحرّك فوقها!

إنّهم يترحّمون على تُراب الأموات، ويأسفون أيضًا لمعاملة البعض السّيئة لهم في أثناء حياتهم،

وهم يعيدون تكرار المعاملة السّيئة لآخرين أحياء مثلهم.

فيصحّ هنا قول السّيّد المسيح:

«الوَيلُ لَكم أَيُّها الكَتَبةُ والفِرِّيسيُّونَ المُراؤون،

فإِنَّكم تَبنونَ قُبورَ الأَنبِياء وتُزَيِّنونَ ضَرائحَ الصِّدِّيقين

وتقولون: لو عِشْنا في أَيَّامِ آبائِنا، لما شارَكناهُم في دَمِ الأَنبِياء.

فَأَنتُم تَشهَدونَ على أَنفُسِكم بِأَنَّكم أَبناءُ قَتَلَةِ الأَنبِياء [...]

هاءَنَذا أُرسِلُ إِلَيْكُم أَنبِياءَ وحُكَماءَ وكَتَبَة،

فَبَعضَهم تَقتُلونَ وتصلِبون،

وبَعضَهم في مَجامِعِكم تَجلِدون

ومن مَدينَةٍ إِلى مَدينَةٍ تُطارِدون» (مت 23/ 29-31).

 

صديقي، ربّما حبّنا لتُراب الأخيرين ومشاعرنا تجاههم ما هي إلّا أنانيّة مغلّفة بحبّ؛

وعدم تذكُّرنا لتُراب الأوّلين ومشاعرنا المتبلّدة تجاههم ما هي إلّا نسيان مغلّف بعدم حبّ.

فأيّان كان الجواب على السّؤال المطروح:

أيّ تُراب أغلى وأثمن من التُّراب الآخر يا ترى؟،

ستجدني على يقين دائم من ثلاثة أمور:

 

الأمر الأوّل هوPrincipio del formulario أنَّ الجنين يصبح طفلًا، والطّفل صبيًّا، والصّبي شابًّا، والشّابّ رجلًا، والرّجل كهلًا، والكهل تُرابًا، والتُّراب حياةً! وأنَّ حبّة القمح تصبح عشبًا، والعشب سنبلًا، والسّنبل قمحًا، والقمح خبزًا، والخبز مأكلًا، والمأكل جسدًا، والجسد تُرابًا، والتُّراب تربةً صالحةً لاستقبال حبّة قمح مِن جديد!

 

والأمر الثّاني هو ما قاله الأديب اللّبنانيّ ميخائيل نعيمة: «كلّ شيء يموت لكي يحيا. الصخرة تموت لتلد حجارة لبناء الهيكل. والشمعة تموت لتتحوّل نورًا. والخشبة تموت ليظهر ما فيها من نار. والثمرة تموت لتنبت الشجرة. والشجرة تموت لتعطي الثمرة. كلّ شيء يموت ليعود إلى مصدره. الحياة ذهاب والموت إياب. والحياة كساء والموت عُري. والحياة فكرة بارزة والموت فكرة خفية. والله هو الموت والحياة معًا».

 

أمّا الأمر الثّالث والأخير فهو أنَّ رائحةَ القبور ستظلّ دائمًا رائحة كريهة وغير مقبولة، حتّى وإنْ كانت تحتوي بداخلها على أعزّ أحبابنا؛ وأحبّاؤنا سيظلّون أحبّاءنا، حتّى لو ابتلعتهم القبور وغمرتهم رائحتها الكريهة!