موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٤ ابريل / نيسان ٢٠٢١

أيُّها الفرعون "الوثنيّ"

بقلم :
د. أشرف ناجح عبد الملاك - كولومبيا
إن الله الذي خلق البشر متساوين في الكرامة والحقوق، يدعونا إلى أن ننشر المحبة والإحسان والوئام

إن الله الذي خلق البشر متساوين في الكرامة والحقوق، يدعونا إلى أن ننشر المحبة والإحسان والوئام

 

في حقبة من الحقبات، كان المصريّون من أعظم الحضارات على وجه الأرض، وهذا بفضل الديانة الفرعونيّة القديمة وعقيدتها في الحياة ما-بعد-الموت (أي "الإيمان بالبعث والخلود"). وهو ما اعتادنا على تسميته– ببساطة شديدة وبنوع من التعالي– "وثنيّة" و"أصنامًا" و"تعدّد الإلهة". فماذا لو فكّرنا في مناجاة أجدادنا الفراعنة العظماء؟ هل يمكن أن يكون لسان حالنا؟:

 

أيّها الفرعون "الوثنيّ"، بالرغم من ضعفاتك وعدم كمالك، اترك مقبرتك الفرعونيّة المريحة والمكتّظة بالكنوز، واذهب إلى المصريّين والعرب والشرقيّين المعاصريّين (أكانوا يهودًا أو مسيحيّين أو مسلمين)، الذين يعادون ويكرهون الآخرين باسم التدين الزائف، وقل لهم: لقد فهمتم الأديان بطريقة خاطئة ومضلّة.

 

أيّها الفرعون "الوثنيّ"، علّمنا أن الإله الواحد ينبذ العنف والكراهية ورفض الآخر المختلف باسم الدين، وأن الدين ينتج حضارة ونهضة وأخلاقًا، لا أن يساهم في خراب كلّ شيء جميل فينا وحولنا.

 

أيّها الفرعون "الوثنيّ"، أنت نموذج ومثال يمكن الاحْتِذَاء به بكل غبطة وسرور، وليس أُولَئِك "تجار الدين" الذين يجرمون في حقّ الله، وفي حقّ الإنسانيّة، وفي حقّ الوطن.

 

أيّها الفرعون "الوثنيّ" (إخناتون)، لقد كانت أنشودتك العظمى والجميلة إلى "آتون" إله الشمس، وإلهك ومعبودك، على هذا النحو:

 

«كم كثرت أعمالك والخافي منها،

إنك الإله الواحد، لا مثيل له.

خلقت الأرض برغبتك منفردا، فيها الناس والأنعام وكل الحيوانات،

وبكل ما على الأرض، وما يسير على أرجله وكل ما يطير بجناحيه في السماء.

البلدان الغريبة في سورية والنوبة وكذلك أرض مصر، كل تعطيه مكانه وتؤمن احتياجاته،

الكل يحصل على غذائه، وتقدر قدر عمره.

يتكلمون بألسنة مختلفة، وتختلف ملامحهم، وتختلف ألوانهم،

فإنك تخلق الشعوب.

خلقت النيل في عالم الخفاء، وتصعده بحسب رغبتك

وتحفظ حياة الناس لأنك أنت خالقهم. وإنك لهم، ترعاهم أنت أيها الملك على كل البلدان.

تشرق لهم، فأنت شمس اليوم، عظيم في رفعتك،

وتُبقي كل البلدان الغريبة على قيد الحياة.

وخلقت نيلا في السماء لكي يهبط عليهم، يشكل أمواجا على الجبال،

مثل البحر لكي يروون حقولهم، ويحصلون على مايحتاجون.

كم أن تقديرك فعال، أنت ياسيد الأبدية.

نيل السماء تمنحه للشعوب الغريبة، ولكل حيوانات الصحراء،

التي تجري على أقدام،

ولكن النيل الحقيقي يأتي من عالم الخفاء إلى مصر.

تُرضع أشعتك جميع الحقول، وعندما تشرق

يحيون ويترعرعون من أجلك.

وخلقت فصول السنة لكي تتطور جميع مخلوقاتك.

في الشتاء يبردون، وفي الصيف يحترون، لكي يشعروا بك.

وجعلت السماء بعيدة المنال، لتعلو فيها وتري كل شيء قمت أنت بخلقه.

إنك فريد عندما تشرق، وفي جميع أشكالك كآتون الحي،

الذي يظهر ويضيئ، وتبتعد ثم تقترب. وتخلق ملايين الأشكال منك أنت،

مدن وقرى وحقول وطرق ونهر.

كل الأعين تنظر إليك عندما تظهر كشمس النهار فوق البلاد»(1).

 

وأخيرًا، أيّها الفرعون "الوثنيّ"، قد يجدينا نفعًا تذكّر كلمات البابا فرنسيس– المنتمي هو أيضًا إلى حضارات أخرى عظمى والرأس المنظور للمسيحيّة الكاثوليكيّة، التي نطق بها في بلدنا الجريح العراق– امتداد حضارات ما بين الرافدين العظيمة:

 

«لِتَصْمُتْ الأَسْلِحَة! وَلْنَضَعْ حدًا لانْتِشارِها هُنا وَفي كُلِّ مكان! وَلْتَتَوَقَّفْ المَصالِحُ الخاصَّة، المَصَالِحُ الخارِجيَّة التي لا تَهْتَمُ بالسُكانِ المَحَلّيين. ولْنَسْتَمِعْ لِمَنْ يَبْني ويَصْنَعُ السَّلام! لِلْصِغارِ والفُقَراء، وَلِلْبُسَطاءِ الذينَ يُريدونَ أنْ يَعيشوا وَيَعْمَلُوا وَيُصَلُّوا في سلام. كَفَى عُنْفٌ وَتَطَرُّفٌ وَتَحَزُّبَاتٌ وَعَدَمُ تَسَامُح! [...] الدينُ بِطَبيعَتِهِ، يَجِبُ أنْ يكونَ في خِدْمَةِ السَّلامِ والأُخُوَّة. لا يَجُوزُ استِخْدامُ اسمِ اللهِ "لتَبْريرِ أَعْمالِ القَتْلِ والتَشْريدِ والإرْهابِ والبَطْش ("وثيقة الأخوّة الإنسانيّة"، أبو ظبي، 4 شباط/فبراير 2019). على العَكْسِ مِن ذَلِك، إنَّ اللهَ الذي خَلَقَ البَشَرَ مُتَساوينَ في الكَرامَةِ والحُقوق، يَدْعُونا إلى أنْ نَنْشُرَ المَحَبَّةَ والإحْسانَ والوِئام».

 

 

(1) مقطع من "ترنيمة آتون العظمى" للفرعون إخناتون، مكتوبة في الأصل باللغة الهيروغليفيّة، ومترجمة عن اللغة الألمانيّة من قِبل عالمة الآثار "كريستين المهدي".