موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٧ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٥

أمريكا تشارلي وإريكا

بشار جرار

بشار جرار

بشار جرار :

 

ما لم يستجد طارئ، ضَمِن ترمب ليس فقط احتفاظ الحزب الجمهوري بمجلسي الكونغرس، بل وتوسعة نفوذ حركتي «ماغا» و»ماها» في مجلسي الشيوخ والنواب وربما في عدد من انتخابات عُمَد وحكّام ولايات أمريكية متأرجحة.

 

عشية الذكرى الرابعة والعشرين لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، أطلق الحزب الديموقراطي في جناحه اليساري سيما الأكثر تطرفا ممن يسمون «المتحولون»، أطلقوا الرصاص على فرص استعادتهم زمام الأمور، باغتيال على الهواء أيضا -كمحاولة استهداف حياة ترمب في حفل انتخابي ببتلر في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة- وسط حشود من الجماهير الطلابية المؤيدة والمستقلة والمعارضة في حرم جامعي بولاية يوتا الجمهورية، لأحد صناع عودة ترمب إلى البيت الأبيض.

 

بدا حفل التأبين الذي أقيم في ولاية أريزونا التي كانت متأرجحة، بعد ظهر الأحد للراحل تشارلي كيرك، بدا وكأنه إطلاق الحملة الجمهورية لكسب الانتخابات التمهيدية الرئاسية 2026 والمعروفة أيضا باسم انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.

 

غفران أرملة الناشط المسيحي اليميني المحافظ إريكا، العلني وعلى الهواء مباشرة أمام ما لا يقل عن مئة ألف محتشد في استاد رياضي، غفرانها لقاتل زوجها مؤسسة حركة «تيرْنِنْغ بويْنْت أمريكا» شكّل نقطة تحوّل جذريّ أجمع المتحدثون ومن بينهم ترمب ونائبه جي دي فانس ووزيرا الخارجية والحرب ماركو روبيو وبيت هِغْزِث، أجمعوا على أن الحادث الأليم لم يكتم صوت ما يمثله كيرك، وإنما أطلق بَعْثا أو أحيا نهضة روحية «رِفايفِلْ» في بلاد العم سام تعيد أمريكا إلى جذورها، وإلى ما أرسى قواعده الآباء المؤسسون للعالم الجديد في أمريكا.

 

وكانت حالة من الاستنفار الإعلامي والاستنهاض التشريعي في أمريكا قد حثّت منذ عشرة أيام على الدعوة إلى مواجهة «ثقافة الاغتيال»، إثر تكرار جرائم القتل السياسي على نحو غير مسبوق ربما فاق من حيث الوقع الإعلامي العالمي، موجة اغتيالات الستينيات.

 

ذهب البعض إلى حد مقارنة اغتيال المؤثر المسيحي المحافظ اليميني الجمهوري تشارلي كيرك باغتيال القس داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ. ولا يحتاج الأمر إلى الكثير من التحليل لمعرفة أن جرائم القتل منذ قابيل مدفوعة بغريزة أو خطيئة، كانت في تلك الحالة الحسد وما ماثلها أو قاربها من الشدة من حالات الكراهية والغضب والتي قد تكون في كثير من الحالات مجرد جهل أو خوف كما ذلك الذي ما زال يحكم سلوك الحية تلدغ افتراضا لتعرضها للخطر. فكثير من السلوك العدائي قائم على مزيج آثم من الخوف والضعف، وسخام لزج من عُقد النقص والنرجسية والسادية، وأحيانا حتى نقيضها «المزوخية». فكم من المجرمين القتلة الغادرين، إنما هم في حقيقة الأمر، انتحاريون يجبنون حتى عن قتل أنفسهم بأيديهم فيعمدون إلى استثارة من يرون فيه خصما أو عدوا إلى إطلاق «رصاصة الرحمة» عليهم!

 

الثابت وعلى نحو أكثر وضوحا أن خطاب الجهل والكراهية ليس بالضرورة ناطقا، بل في أخطر مراحله صامتا. والصمت هنا ليس دائما في حال كمون باطني، بل يكشف عن ذاته دونما وعي عبر التهميش والإقصاء، التحشيد والتحريض الهادف إلى إلغاء الآخر وشطبه وإسكاته قبل أن ينتهي الحال عند توفر الظروف المناسبة إلى قتله.

 

وليس سرا أن بعض أولئك القتلة يقولون وهم في مرحلة «مشاريع قتلة» يقولون -وتشهد عليهم أيديهم وحساباتهم على منصات «التناحر» الاجتماعي، بأنهم إنما يقولون ما سيفعلون أو ما هم فاعلون، ولكن بصمت.

 

ما زال خبراء الإعلام والتشريع للأسف، متأخرين بأميال عن الموقف المتقدم الذي اتخذه رجال إنفاذ القانون في الأمن، حيث استنبطوا العلاج الفعال لردع ومحاسبة أولئك القتلة وهم في مرحلة الشروع بالقتل عن سابق إصرار وترصّد، فانبثقت نظريات الأمن الوقائي والضربات الاستباقية للقاتل صامتا كان أم مستخدما سلاحا ناريا بكاتم صوت.

 

استفاقت بلاد العم سام من «الووكيزم» الأمنية إن جاز التعبير، واستعادت زمام المبادرة في مكافحة الإرهاب التي لم ولن يكتب لها النجاح ما لم تكن وقائية استباقية. فكم من الأرواح كان بالإمكان إنقاذها، وكم من الأعمال كان بالإمكان الحفاظ عليها بعيدا عن الخسائر وفقدان الوظائف وقتل الاستثمارات الداخلية والخارجية، لو تم إخراس كل صوت صامت وناطق يدعو إلى قيادة قطيع نحو الهاوية.

 

في أمريكا اتخذت إدارة ترمب بما فيها وزارتا الخارجية والحرب (الدفاع سابقا) قرارات بطرد كل من يحتفي بقتل أمريكي، وكذلك فعلت شركات القطاع الخاص خشية من تحمل تبعات تبني خطاب الجهل والكراهية والتحريض والعنف والإرهاب. فمتى يحاسب دعاة «المقاطعة» الاقتصادية والإساءة إلى سمعة الأشخاص لمن لم يحتملوا الاختلاف معهم، ولم يقدروا على مناظرتهم الحجة بالحجة و»بالموعظة الحسنة»؟

 

لم تعد المسألة حرية تعبير. وحدهم الأحرار الذين يعرفون معنى الحرية وأخلاقها، ووحدهم الذين يفهمون ويلتزمون قولا وعملا بأن الحرية المتاحة للجميع هي الحرية المسؤولة. المساءلة هي المعيار والفيصل بيننا جميعا ما دمنا نعيش في مجتمعات ودول لا في خفايا أدغال ولا زوايا غابة!

 

(الدستور الأردنية)