موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
إن الغالبية العظمى من الناس لا تزال تعيش حياتها بمعزل عن محبة إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، وتجهل معنى الصليب وسر الخلاص، لقد أحبنا يسوع، وبذل ذاته من أجلنا على خشبة الصليب، يا له من حدثٍ عظيم، قلب التاريخ رأساً على عقب، غير به الله مفهوم الموت في حياتنا، وأظهر حب الله الأبدي لنا عندما أرسل إبنه الوحيد ليصلب عوضاً عن البشرية جمعاء التي سقطت بسبب خطية آدم الأول، عندما كسر وصية الله، وتعدى على أمرهِ وأكل من شجرة معرفة الخير والشر بغواية الحية، لذا يجب على جميع البشر أن يدركوا أن الصليب هو حياتنا كلها، فلا حياة إلا من خلال الصليب، حيث أن الصليب هو المحبة التي لا تعرف المستحيل، والعطاء الذي ليس له حدود، فهو ليس مكاناً للعدل الإلهي فقط ولكن مكاناً للحب حتى الموت. أتى يسوع المسيح إلى هذا العالم ليضع الحب مكان الضغينة، فحمل على كتيفه خلاص الإنسان وسار على طريق الجلجلة وصلب على خشبة الصليب، فالصليب الذي كان يعبرعن ظلم العالم وتعذيباً للجسد حتى الموت، أصبح يعبر عن حب وعطاء، فمن يسير مع المسيح ويحمل صليبه ويتبعه، يستطيع أن يدرك معنى الفداء وسر الخلاص، لأن من خلال الصليب تأكدت العلاقة الشخصية بين الله وأبناءه وأظهرت حب الله للبشرية جمعاء، ومن هنا كان يجب أن يكون المخلص إلهاً لكي يستطيع أن يُكَفِرعن خطايا البشرية ويفدي بنفسه من أجلنا، وكان يجب أن يكون إنساناً لكي يستطيع أن يموت، فلو كان إنساناً فقط لما استطاع أن يخلص كل البشرية من عبودية الخطيئة، ولو كان إلهاً فقط لما استطاع أن يموت لأن الإله روح محض ليس للموت عليه من سلطان، ومن ناحية أخرى لم يكن السيد المسيح هو مجرد ذبيحة قُدِّمت عن حياة العالم لكنه كان هو الكاهن أي الآب الأزلي لنا وهو الذبيحة فى آنٍ واحد. فعلاً لقد كان الصليب سر عظيم لم يفهمه إبليس عدو النفوس، لقد ظن أنه سيقضي على الرّب يسوع المسيح في موته على الصليب، ولم يعلم ولم يفهم خطة الله في الفداء، وكيف أن الصليب هو في الواقع سر الانتصار على الخطية والموت وعلى إبليس نفسه، لقد فرح إبليس في الجلجلة عندما رأى المسيح مسمراًعلى الصليب ينزف دماً حتى الموت، لقد اعتقد أنه انتصر أخيراً على الرّب، والواقع كان عكس ذلك لأنه لم يعرف إبليس خطة الله من أجل خلاص العالم، ولكنّه بعد ثلاثة أيام عندما قام المسيح من الأموات، أدرك فشله الفظيع، فلقد نفّذ إبليس بالضّبط خطة الله دون علمه عندما زرع الشر في قلب يهوذا الإسخريوطي، وزرع الحقد والضغينة قلوب الأحبار والشيوخ ليصلبوا المسيح حتى الموت، لقد تسبب في موت رب المجد مما أدى إلى تحقيق فداء وخلاص الخطأة. إن سر الخلاص يُمثّل قلب الإيمان المسيحي الحي، حيث أن كل تاريخ البشرية الذي سَبقَ تجسُّد ابن الله هو مثابة إعداد لمجيء المخلِّص، وكل تاريخ البشرية اللاحق هو تحقيق للخلاص الذي إكتمل بموت المسيح وقيامته، ففي حياتنا اليومية، كلما ننظر إلى الصليب ونرسم إشارة الصليب، نتذكر الحب الإلهي العجيب الذي لا مثيل له، نتذكر أيضاً إلهنا القوي غير المحدود في قدرته وعظمته الذي تجرد من ذاته متخذاً صورة العبد، وصار على مثال البشر وبذل حياته في سبيل خلاص البشرية جمعاء، وبذل دمه حباً للإنسان المحكوم عليه بالموت. أحبنا فبذل ذاته على الصليب ووهبنا قوة لننتصر على الخطيئة والموت في سر الصليب، وعلمنا كيف نحمل الصليب وكيف نغفر خطايا بعضنا البعض، وأعطانا المحبة التي يجب أن تواكبنا في جميع أيام حياتنا، أيضاً أعطى لنا بموته على الصليب معنى جديد للموت، فإنتصر على الموت بالموت وأعطى الحياة لمن في القبور، لندرك أن ليس موت المسيح على الصليب هو الذي غيّر قلب الله من نحونا وجعله يحبنا، إنما العكس هو الصحيح، فإن الله في محبته لنا، قَبِلَ أن يبذل ابنه الوحيد لأجل خلاصنا. يجب علينا أيضاً أن لا ننسى حب مريم لنا التي حملت الصليب في قلبها حزناً على موت إبنها، حيث مشت طريق الألام مع المسيح وكانت تنظر إليه متألمة تحفظ كل ما يقوله، كانت تعلم أن القيامة قريبة جداً، لكن يسوع لم يتركها حين قال لتلميذه الحبيب يوحنا وهو على الصليب: "هذه أمك" ولمريم أمه: "هذا ابنك". بهذه الكلمات طلب يسوع من مريم أن تشمل أمومتها كل المسيحيين في العالم أجمع، وطلب من يوحنا أن يتخذ مريم أماً له، وكأن هذه الوصيه المقدسه الى العذراء مريم بأن تحتضن الكنيسه كلها وان تكون هي أم المؤمنين تصلي لأجلهم وتشفع فيهم، حقاً إن يسوع أحبنا ولم ينسانا بل أعطانا أماً، وطلب منا أيضاً أن نتخذها مثالاً لنا ونطلب صلاتها لأجلنا.