موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٢ فبراير / شباط ٢٠٢١

أتى أبرص إلى يسوع يتوسّل إليه أن يشفيه

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
نَحْنُ نُؤمِنُ أنَّ يسوع جاءَنا بِالْخَلاصِ وأعْطى لِحياتِنا معنى

نَحْنُ نُؤمِنُ أنَّ يسوع جاءَنا بِالْخَلاصِ وأعْطى لِحياتِنا معنى

 

الأحد السادس (مرقس 1: 40-45)

 

لقد عاد سهلا اليوم تشخيص الأمراض وخاصة البلاد التي تقع ضحية هذه الأمراض (أذكر أن السفير الأردني في ألمانيا في الثمانينات من القرن الماضي، قد دعا الطلاب الأردنيين في جامعة ألمانية، إلى لقاء معه، وكنت واحدًا منهم، وأذكر من وقتها أنه نصح طلاّب الطّب، أن يتخصّص كلٌّ منهم بأمراض منطقته، الّتي أعطى عنها تفاصيل مبدئية). لائحة الأمراض المنتشرة في العالم اليوم، لا تُعدُّ ولا تُحصى. منها أمراض بسيطة، ما عادت مشكلة للطب المتقدّم من الشفاء منها، فنحن محظوظون. ولكن منها أمراض مستعصية، منها القديمة ومنها الجديدة، تجول وتسرح، قبل أن يتوصّل الطبُّ إلى إيجاد علاج لها. فهل نسينا انتشار وباء الكورونا آخر عام 2019 وكيف غزت العالم كلَّه بسرعة، حبست أنفاسنا وأوقفت بل وشلّت حياة العالم، ونشرت الخوف في جميع الأوساط، ممّا أجبر الحكومات من نشر معلومات يومية وِقائيّة، تُحذِّرُ البشر وتعطيهُم إرشادات، كي يُخفّفوا من خطرها وعدواها. وفي هذه المدّة، قد استنفرت جهوداً علمية عالمية في مجال الطّب للتفتيش عن دواء لها، لكن ذلك لم يجدث بعد لضيق الوقت، مما زاد من توسّع انتشارها ولا يزال خطرها اليوم كبيرا، رغم وجود بعض التطاعيم، التي تحمي وتوقف انتشارها السريع، لكن هذا كله لا يزال في بدايته.

 

إنجيل مرقس، الذي نسمع مقاطعه في هذه السنة، يبدأ كالطريق الضّيق، لكن ما أن نبدأ السير عليه، حتّى يبدأ الأفق يتوسّع مع كل مقطع، وتتجلّى لنا من أحد إلى أحد شخصيّة يسوع وحياتُه وأهدافه، إذ لا يوجد كتاب في التّاريخ والعالم، يستطيع أن يعطينا فكرة عنه، غيرُ هذا الكتاب. تميّز هذا الكتاب بسرد أعظم العجائب التي قام بها يسوع في الثلاث سنوات الآخيرة من حياته العلنية. نقول بلغتنا: العجائب مستحيلة، لكن ليس مستحيلٌ عند الله. حتى الآن سمعنا أن يسوع ابتدأ حيانه العلنية باختيار عمّاله، وبعد أول العجائب ذاع صيتُه في كل المُدن والقرى في اليهودية والجليل، قصارت النّاس تتهافت لسماعه وطلب عجائبه، حتى أنه بعض الأيام، ما كانت الجماهير تفتكر بالطّعام، ومرات هو لم يبق لديه الوقت ليفتكر بالطّعام. كرّس جُلَّ وقته للخطأة والمرضى والمظلومين، من حكم ووصايا روؤساء الكهنة، الّذين أيضا كان غضبهم عليه بازدياد، ولكي تعود سلطتهم على الشعب كالسابق، وصلوا بالتالي إلى رفضه كمخلًّص، بل وطالبوا بصلبه، للحدِّ مِن تأثير حياته وأقواله على البشر.

 

إنجيل اليوم يُقدِّم لنا يسوع، الذي له كلُّ السلطة على الطّبيعة وقواها. فالخالق له كامل السلطة على الخليقة. البرص كان مرضا عُضالا، لا شفاء منه، وكان منتشرا حتى قبل زمان يسوع بكثرة، وهو مذكور 22 مرّة في التوراة، أشهرها قصّة نعمان ملك سوريا والنبي إيليا (2 ملو 5: 1-27) البرص كان من أهول الأمراض وأشدّها فتكا بالإنسان، خاصة وأنّ الإنسان لا يشعر ببداية وجوده في جسمه، إذ هو يبدأُ صامتاً، وبلا ألم في الدّاخل، ولا يشعر المُصابُ به، إلا بعدما يكون قد تفشّى في جسمه، فيكون قد فات الفوات لمعالجته أو توقيف انتشاره. هذا وهو مرض مُعدي، فإن حلّ في منطقة، كان لا يتركها إلا وأحدث دمارا وتسمُّما كاملا، لذا كان يجب عزل المُصاب به، لأنّه مرض، ما كان يترك المنطقة إلا ويكون قد قضى على حياة آلاف الآلاف من بشر وحيوان. ومن أُصيب به كان يقف شعر رأسه، كما يقول المثل، إذ يعرف فورا: الموت قريب، على مراحل مؤلمة، ولا نجاة منه، نُشَبِّهُه أوّلاً بالضربات التي أصابت شعب فرعون قبل ما سُمِح لموسى، أن يقود الشّعب ويحرِّره. أو بمرض السّرطان في بداية ظهوره في القرن العشرين الماضي. فكم وكم من البشر ماتوا به، قبل أن يجدوا دواءً، أقلّه يخفّف من وطأَتِه ويُطوِّل الحياة، وهذا يعني، خلق بصيص من الأمل والشجاعة في الكثير من ضحاياه.

 

حتى في القرون الوسطى، كان مرض البرص أو الطّاعون منتشرا بشكل، وإذْ ما كان من الممكن التخلّص منه بعلاجات وأدوية غير موجودة، فكان النّاس والحكومات والشعوب تلجأ إلى الخالق، عساه يسمع لدعائهم، ويُذهلهم بأعجوبة سماوية، للتخلّص منه. فإن استجاب لطلبهم وأوقف تقدُّمَه، نذروا كذا وكذا. هذا ويذكر لنا التّاريخ، أن الله فعلا عام 1634 استجاب للصلوات والأدعية في منطقة Oberammergau في جنوب ألمانيا حيث كان الطّاعون يحصد الأخضر قبل اليابس، هنا نذر له السّكّان تقديم حياة يسوع برواية تمثيلية موسيقية شعرية، تتكرّر كلَّ عشر سنوات لئلا تَنسى الأجيال اللاحقة، ما صنع لهم الخالق، يشترك بتقديمها، إلى جانب المُمثِّلين الرّسميّين، كلّ من يستطيع من سكان البلدة من الرضيع إلى أكبر مسنًّ فيها، نيابةً عن الشعب الذي حضر موت يسوع في أورشليم. وقد شاءت لي الظروف وحضرتها عام 2010، وأستطيع أن أقول إنني بحياتي ما حضرت رواية أو فيلما مؤثّرا بهذا الشكل. كذلك الصلبان الكثيرة، المنصوبة على مداخل القرى أو المُدن، والدورات الدينية المتناقلة من ذلك الزّمان، هي كلُّها علامات شكر وامتنان، لتدخّل الله الملموس في حياة هذا الشعب أو الدّولة، أو الرّعيّة، على خلاصهم من مصيبة، كان معظمها مرض البرص والطاعون المعدي.

 

أن نقرأ أو نسمع عن حادث، هو غير ما نشاهده بالعين. فإن عشنا حدثاً شخصيّا، فهو يبقى منطبعِاً في ذهننا إلى الأبد. كانت تأتيني منشورة من مكتب جمعية العناية بالبرص، عندما كانت الأم تريزا لا تزال حية تُرزق، هي الّتي كرّست حياتَها وحياةَ الآلاف من بنات رهبنيّتِها للعناية بمرضى البرص في الهند ، الّذي كان منتشرا بشكل. ففي أحد هذه الأعداد كان هذا المقال، من أحد المرسلين، الذي شاهد بعينه ما البرص، ووصفَهُ. فمن يقرأ مقاله، فهو لا يمكن أن ينساه. مفاده أن هذا المُرسل زار مرّة محطّة الإعتناء بالبُرُص، وقال: من أوّل مُستقبِلينا، كان شابٌّ مُصاب بالبرص. ورأسا مدّ يده نحونا، كمن يريد السّلام، إلاّ أنّه فقط كان يتوسّل للحصول على قطعة مُخدِّر المورفين، الذي يُخدِّر الجسم ويُخفّف من الشّعور بالألم. قال المُرسل مُعلِّقا على هذا المشهد: لن أنسى فرحه لحصوله على مطلبه، إذ إني فقط في تلك اللحظة شاهدّتُ وفهمتُ ما هو البّرص، الذي مهما وصفته، فلن يكون وصفُه كاملاً. منظرُ هذا الإنسان، كما قال أشعيا عن يسوع، منظر رجلِ اوجاعٍ فعلاً، لا منظر فيه نشتهيه. محتقرٌ ومرذولٌ من النّاس (أشع 53). نصف أنامله وكفَّةُ يديه مأكولة، كأنّ فأرا قضمتها له. كذلك أصابع رجليه وأقدامِه، نصفُها مبثورة مأكولة. أعصاب جسمه مائتة، فيفقد الشعور بالألم، نصف خديه مُجرّحة تدمي برائحة كريهة، وكأنّ عدوّا له جرّحها بسكّين، وعلى مواقع عديدة في جسمه كأنّها أشْلاءُ عَفِنِت تتدلّى. منظرُه باختصار، مُقْرِفٌ ومثيرٌ للاشمئزاز، للمصاب وللزائر في نفس الوقت. بكلمة: منظرٌ بشع فعلا لعيونِنا، فمن رآه مرّةً، لا يريد أن يراه ثانية. مع هذه الفئة من النّاس وفي تلك الإجواء، أمضت الأم تريزا حياتها. ومن لا يذكر مقابلة الصحفي الأمريكي لها. فبعد ما شاهد بطولة بناتها والعمّال في هذه المواقف، سألها: هل لي أن أسأل، كم تتقاضين أجرة على هذا العمل؟ قالت: لا شيء. فلم يُصدّق، فقال أنا بعشرة آلاف دولاراً في الشهر لن أقبل. اجابت: وأنا أيضا لا أقبل. وإذ أصرّ عليها وسألها من أين لكم القوّةُ، لتصبروا بهذه الأجواء الغير صحية؟ أخذته بيده وقادته إلى الكنيسة ووقفت معه تحت صليب كبير فوق الهيكل، معلَّق عليه يسوع، وأشارت بإصبعها: مِن هذا، نستمدّ القوّة لعملنا، لأننا ما نعمله لهؤلاء، فلهذا نعمله. أفلا يبعث هذا الجواب مستشفياتِنا وكثيرا مِنْ أطبّأئنا إلى التفكير، الّتي همُّها المرابح من معالجة المرضى؟ المال لها أهم من الإنسان! فهل نستغرب إذن من الكنيسة كيف أنها عجّلت بقضية تقديسها، للأم تريزا، ولأوّل مرّة في إعلان القداسة، بعد ستِّ سنوات فقط من موتها؟ تُوفِّيَت في سبتمبر 1997 وأُعْلِنَتْ قِّديسة في سبتمبر 2003

 

فالبرص هو ليس مرضا حديثا من أمراضنا الجديدة، بل هو من أقدم الأمراض المعروفة. هذه الحالات كانت منتشرة جدّاً في زمان يسوع ومن أبرز وأخطر الأمراض في الماضي. فأين وحيث تجوّل، كان يجد بُرُصاٍ فيشفيهم. هذا وإنَّ مُنظَّمةُ الصّحة العالمية تقول ، إنه لا يزال حوالى 10 ملايين مصابين به حتى اليوم.

 

أنْ يُولَد الإنسان مريضا أو أن يُصاب بعلَّةٍ في حياته، كان ذلك، حسب حكم الكهنة روؤساءِ الشّعب، قصاصا من الله لخطيئة شخصية أو في العائلة. من أخطأ؟ كان السُّؤال دائماً... لكن المُحزِن والمؤلِم كان، أنَّ من يُصاب بهذا المرضٍ المعدي، الذي نحن بصدده، فخوفا على حياة الآخرين، ونظرا لقوانين النظافة قبل الأكل والصّلاة، كان روساءُ الكهنة كأطبّاء في الشعب، يفرضون عزله، عن أهله، وعن مجتمعه وعن مكان سكنه. وبالأخص منذ إعلانه مريضا، كان لا يحق له، لا أن يدخل مدينة أورشليم ولا هيكلها، كي يصلي ويطلب الشّفاء. هذا وكانوا يفرضون على هؤلاء المرضى أن يُنقلوا إلى أماكن في البرِّيةٍ بعيداً، يقيمون في مخيّمات بهم خاصة، يقضون أياما تعيسة بلا علاج ولا طعام ولا شراب دائم، بل من خانَتْه قواه، يُصبحُ غذاءً للحيوانات المفترسة دون أية مقاومة. من لا يتذكّر بهذا الصّدد قصّة العشرة بُرص مع يسوع؟ هذا ولئلا يُنجِّسوا غيرهم ويحذّروهم من الإقتراب منهم، كانوا يُعلِّقون لهم جرساً صغيرا في عُنقِهم، حتّى إن سمعوا خطواتِ عابري سبيل بالقرب منهم، يدقّون الجرس الصغير ويحذّرون المارّة بقولهم: نجس! نجس! لا تقترب.

 

إنجيل اليوم يصف لنا مقابلة يسوع مع شاب أبرص، لمسه علناً، وهذا كاد يعني نهاية العالم للفرّيسيّين، إذ كلُّ ما جرى، أي الإقتراب من الأبرص أو لمسه، كان مُخالِفاٌ لقوانين روؤساء الكهنة. أوّلا كيف يَتْرُكُ الأبرصُ مكان عُزلته، يُزاحم المتجمِّعين حول يسوع ويلامسهم، فيعرّضهم للإصابة بمرضه المُعدي، كالمصالبن بالكورونا اليوم، يرتمي قدام يسوع ويترجاه: أنت قادر أن تُبرِأَني! هو يعرف أنّ قصاصه  بالرّجم حالا، ثم حرقُ جثَّتِه، إذ لا أحد يتمتّع بحق المناعة حواليه. وثانياً، كيف أنَّ يسوع بالذّات، يسمح لنفسه، بِمَدِّ يده إلى الأبرص ويلمسُه، قائلا له: قد شِئت فابرأ! فزال عنه البرص للتّوِّ وبرئ (مر 1: 4) كأنه لا يعرف قوانين التّعامل مع البُرُص والبَرَص، حفاظاً على تحاشي العدوى. بالنسبة ليسوع لا يوجد تفرقة بين الطّاهر وغير الطّاهر، فهذه قوانين هم خلقوها. هذا الإنسان هو بحاجة للعناية، للّمس. فهذا هو علاجٌ شافِعٌ له. المريض بحاجة للمس يد الله. هم لا يُدركون أن يسوع لمثل هؤلاء قد أتى. والعَزْلُ عن الله غيرُ موجود. بكلماته هذه، قد أبرأ الإبرصَ وطهّره جسداً ونفساً، أعني كلَّ الإنسان، وألغى عنه قانون العزل والحجر الصّحي، وأعاده إلى حضن عائلته، مُعافىً من علَّتِه، ويمكن من الموت السّريع. هذا وقد جعل يسوع من شفاء المرضى والبُرص علامة مهمّة في رسالة الكنيسة، فلمّا أوكلهم بمتابعة مهمّته، وهي خلاص البشر، قال لهم: "إشفوا المرضى، طهِّرو البُرص، أقيموا المرضى وأخرجوا الشياطين" (متى 10: 8).

 

نحن نفهم هذا الإنجيل جيّدًا، فقط عندما نعرفُ أنَّ البرصَ هو الخطيئة، كما تصفه التّوراة. فهي تعزلنا عن بعضنا، وعن الله بالذّات. أذكر في طفولتي، وكانت بداية انتشار بدعةِ شهود يهوى في الأردن، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية، أنهم قد كسبوا بعض الناس الأمّيين وعلّموهم على حفظ بعض النصوص من الأناجيل، وربطها بالحياة الشخصية. فبهذا الخصوص أذكر أنّ أحد المسنّين، الذي كانوا كسبوه، قد جاء إلى ساحة المدرسة وراح يعظ فينا، مقارناً البَرَص بالخطيئة وبأن يسوع هوشافينا من البرص. فهذه كانت فعلا أول مرّة لي، أسمع وأفهم أن ما عمله يسوع يهمنا نحن، وليس فقط بني زمانه. فأنا شخصيًا أقول إن مِثل تلك البِدَع، على علاّتها، مُطّلعة بمحتوى ومعنى التوراة، أحسن بكثير منّا. وهي البِدَع الّتي ساعدتنا على الإهتمام بالتوراة وكلام الله.

 

الخطيئة هي البرص، الذي يبعدنا عن الله، وعن جماعة المؤمنين، وهي تنجّس قلبنا. لكن يا للعجب، قال الكردينال الألماني المتوفي جوزيف هيفنر Josef Höffner، مطران كولونيا السابق، بقدر ما نقترف خطايا بقدر ما نفقد معنى الخطيئة. فالبشر ما عادوا يُدركون كم هي الخطيئة مُؤذية وخطيرة، كالدّاء المُعدي. أما زالت عواقب الكورونا في ذهننا؟ هذا وكان الكردينال لا يتعب من التّحذير، من أزمة الإيمان، الحاصلة حاليا في المجتمع، وبالأخص كان يحذِّر من أزمة الضّمير، الّذي ما عاد يُفرّق بين الخير والشّر.

 

إنّ كلَّ ما أراد يسوع، وقام به أو علّمهه، هو بلا حدود، وغيرُ مُرتبطٍ بوقتٍ أو زمان. هو لم يَشفِ فقط مرضى ومُصابيِّ وخطأة زمانه، بل إنَّ كلماتِه، التي بها شفى هؤلاء، لا تزال سارية المفعول، وتستطيعُ أن تشفي كلَّ من يطلب منه الشّفاء: نعم قد شِئتُ فابرأ. قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك. وأنا أيضا لا أحكم عليك. خطاياك مغفورةّ! قم واذهب ولا تَعُد تخطأ. هذا بعض من كلمات يسوع وأفعاله، الّتي لا تُنتسى ولا تَهْرَم، بل دائماً حيّة فعّالة، تُنتِجُ ما تعني، إنْ تمَّت الشُّروط فينا، وهي  أن نشعُرَ أنَّنا بحاجة له: أقوم وأرجِعُ إلى أبي، وأقول له: يا أبت! قد خطِئت إليك وإلى السّماْ، فاعتبِرني كأَحَدِ أُجرائِك (لو 18:15).

 

يسوع لم يصُدَّ طلبَ أحدٍ: إني أريد، فابرأ. شفى مَن طلب منه الشِّفاء، فهو الطّبيب: قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك. غفر لمن طلب منه المعفرة، فهو الأب الرّحوم، لآخر لحظة في حياتنا مثلما فعل مع اللص الّذي صُلب عن يمينه: اليوم تكون معي في ملكوتي. أعاد البصر للعميان الّذين طلبوا منه أن يروا. كان عنده دواءٌ لكلِّ داء. إنَّ دور العجائب لم ينتهِ ولن ينتهي، لأن دورَ يسوعَ لم ينته ولن ينتهي. هناك كتاب بعنوان:العجائب تحدُث دائما. نعم المسيح يريد أن يبقى خلاصه فعّالا ومُتجدِّداً بيننا، لذا فهو يصنع العجائب، في كل يوم وظرف ومناسبة. فليس هو المرض الّذي يُقرِّرُ المصير النهائي، بل رحمة الله. وهي نبع لا ينضب. آمين

 

 

شفاء أبرص

 

البَرَصُ كان مِنْ أَصْعَبِ الأمْراضِ الّتي تُصيبُ إنسانا

ما أنْ يَبْرُزَ على جِسْمِهِ يَصيرُ عِلاجُهُ في خَبَرِ الكانا

 

هُنا الطَّامَةُ الكُبْرى إذْ يُصْبِحُ لا حَقَّ له بأيِّ اختلاط

لا مَعْ أهْلِهِ ولا مَعِ أبناءِ الهَيْكَلِ إذْ هُمْ لهُ بالمرصاد

 

أهْلُهُ يَحْتارونَ بِمَصِيرِهِ وأّمْرُ الكَهَنَةِ صارِمٌ شديد

عَزْلُهُ الكامَلُ خَيْرُ عِلاجٍ لَهُ وأمَا لَهُ فالموتُ أكيد

 

يَقْتادونَهُ بِحَبْلٍ طَويلٍ خَلْفَ الجِبالِ أوِ الصحراء

هُناكَ يُصْبِحُ مَسْكِنُهُ بِأَكْلٍ قَليلٍ ونومٍ في العراء

 

وَلِتَحْذيرِ أيِّ عابِرِ سبيلٍ يُعَلِّق لَهُ أهله جَرَساً في العنق

يَقْرَعُهُ صارِخاً هُنا نَجِسٌ لا تَقْرُبْ بَل أُهْرًبْ مِنَ الأفق

 

كانوا مرّةً عَشْرَةً حينما سَمِعوا بتَرْحيبَ الجماهير

في اسْتِقْبال يسوعِ صانِعِ العِجائِبِ وابْنِ الله القدير

 

واحَدٌ مِنَ العَشْرَةِ رَكَضَ مُسْتَرْحِماً آهِ يا ابن الله

نَحْنُ ضَحايا الزّمانِ جارَ علينا فما هذي الحياه

 

وارْتَمى مُغْمِضَ العَيْنَ قُدّامَ يسوع على ركبتيه

بِطَلَبٍ مُحِقٍّ يَتَحرَّقُ له القلبُ إذْ طَلَعَ مِنْ شفتيه

 

ربَّاهُ ألا اشْفِني مِنْ مَرَضِي العَسيرِ فَأنتَ السميع

وما مِنْ طِبيبٍ سِواكَ يَشْفى المَريضَ والرّضيع

 

فَلَمْ يَتَوانَ يسوعُ أَنْ مَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ عَكْسَ القانون

فَشَفى لِلتّوِّ مَعَ الإحْتجاجِ أَمَا لَمْسُهُ مُخالِفٌ للدين

 

قَلْبُ يسوع غَيْرُ قَلْبِ الفرّيسيّينَ وما هُمْ مِنَ الأطبّاء

يَشْفي الرُّوحَ فَيَلْحَقَ شِفاءُ الجَسَدِ إذ هذا يَتِمُّ بلا عناء

 

وحتّى يَقْبَلْهُ أهْلُهُ وَتَقْبِلْهُ جَماعَةُ المُؤمِنينَ مِنْ جَديدٍ بينهُم

أرْسَلَهُ إلى الْكَهَنَةِ لِيَشْهدوا لهُ بالشِّفاءِالكامِلِ فِيْ حِضْنِهُم

 

وفي الطَّريقِ ألاّ يَرْفَعَ العَيْنَ ولا يُعلِنَ عَنِ الشِّفاءِ عاجلا

لئلا يَخافَ السَّامِعُ مِنَ العَدوى فَيَهْرُبَ مِنْ هناكَ راجلا

 

أمّا هُوَ فَمِنَ الفَرَحِ كَأَنَّهُ أٌصيبَ بِالجُنونِ راحَ يُذيعُ الخبر

يًمينا يساراً راقِصاً مُغَنِّياً مُلَوِّحاً باِليَدِ فالذي كانَ بهِ عبر

 

أمّا فِيْ يَوْمِنا فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الآيَةُ فالتّبشيرُ العَلَنِيُّ مِنّا مطلوب

لَكِنْ مَنْ يُعيرُ الإنْتِباهَ بَيْنَ الشُّعوبِ كَأنّ فِيهِمْ مُغْلَقَةٌ القلوب

 

موضوعُ خِطاباتِنا وتعالِيمِنا الْيَوْمَ ماعادَتْ أَكْثَرَ مِنْ تهريج

لا يَتْرُكُ فينا انْطٍباعاً مِثْلَ الحِفاظِ على أَخْلاقٍ أوْ أَدَبٍ أريج

 

نَحْنُ نُؤمِنُ أنَّ يسوع جاءَنا بِالْخَلاصِ وأعْطى لِحياتِنا معنى

غَفَرَ خطايانا بِمَوْتِهِ على الصَّليبِ فَفِي الكَنيسةِ أَقْدَسُ سُكنى

 

فالمسيحي بِأَيِّ فَصْلٍ يَعيشُ لا يَعْرِفُ التَّحْريرَ مِنَ الوصايا

بَلْ يَعْمَلُ الخَيْرَ لِنَفْسِهِ وقَريبِهِ وَيُنْميْ فِيْ نَفْسِهِ أَحْسَنَ النوايا

 

الدِّيُن لا يَمْنَعُ الأَفْراحَ فِي زَمانِ الكَرنِيفالِ بَلْ يَفْتَحُ لها الباب

إن بَقى الإِنْسان شَاكِراً لله مانِحِ الحَياةِ أَمَا تَكْفيْ هَذِهِ الأسباب

 

 

تذاع الكرزة عبر أثير راديو مريم بحسب المواعيد التالي:

السبت الساعة 5.30 من بعد الظهر. ويوم الأحد: الساعة 8 صباحًا، والساعة 2.30 بعد الظهر، بتوقيت الأردن