موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٩ يوليو / تموز ٢٠٢٤

الدين.. والمشاركة في الحياة السياسيّة

شعار انتخابات مجلس النواب 2024

شعار انتخابات مجلس النواب 2024

الأب رفعت بدر :

 

توجه التساؤلات في هذه الأيام: ما دوركم في الكنيسة، وما دور رجال الدين بشكل عام في الانتخابات النيابيّة القادمة؟ من أجل ذلك عقدت اللجنة الثقافية في كنيسة قلب يسوع، التابعة للبطريركيّة اللاتينيّة، في تلاع العلي بعمّان، بادارة الدكتورة هبة عباسي، ندوة هامة تمحورت حول الانتخابات، وكيف نوجّه الجيل الشاب للإقبال عليها، وشارك بها نواب ومختصون بالشأن الديني والسياسي.

 

تكلمت أولاً عن موقف الكنيسة، وهو حثّ المؤمنين والمصلين على الإقبال نحو القيام بواجبهم نحو وطنهم، وهو اختيار المرشحين بطريقة حكيمة، لكي يكون الجالس تحت القبة ممثلاً حقيقيًا لشعبه في التشريع والرقابة، وكذلك في مساعدة الناس في إكمال معاملاتهم مع الدوائر الرسميّة. فالمواطنة الصالحة تستدعي بالضرورة المطالبة بالحقوق، وهي مطالبة مشروعة بالطرق السلميّة، لكنّ المطالبة بالحقوق يقابلها كذلك القيام بالواجبات، لتكتمل معادلة المواطنة الحقيقيّة.

 

وركّزت في كلمتي على أنّ الكنيسة في لحظة بدء الدعاية الانتخابيّة تقف على مسافة واحدة من كلّ مرشّح، وبالأخص لمرشحي المقاعد المسيحيّة التسعة المنصوص عليها في التشريع الأردني. ولا تدعم الكنيسة مرشحًا دون الآخر، كعلامة لإتاحة الفرص بطريقة متساوية، ولكي تنظم علاقتها في المستقبل مع الفائزين، وكذلك مع من لم يحالفهم الحظ.

 

وغنيّ عن التأكيد هنا مبدأ النزاهة والانتخاب الشريف والنظيف، وذلك من خلال التوعيّة المستمرّة على الابتعاد عن المال السياسيّ، في بيع الأصوات وشرائها، فهذا اسمه «فساد»، ويقع على المؤسّسات الدينيّة الواجب الكبير بحثّ الناس على الابتعاد عن شراء الأصوات التي هي شراء الذمم والضمير. أمّا الضمير فيحكمّه وقت الإدلاء بالصوت، حيث يقف الإنسان في قرارة نفسه ليختار المرشح المؤهل للخدمة السياسيّة.

 

وتمّ في الندوة المشار إليها التوقّف عند المقاعد المسيحيّة التسعة، والتي بقي منها سبعة مقاعد محليّة، كما كانت أصلاً منذ عقود، أما الصوتان الثامن والتاسع فأصبحا ضمن قوائم وطنيّة أو حزبيّة، وهنالك آلية جديدة لاحتسابهما. وتمّ عرض التساؤل عن نقل المقعد المسيحيّ في عمّان من الدائرة الثالثة إلى الثانيّة حيث لم يفطن لذلك ألوف الأشخاص، وبالتالي لم يبادروا إلى نقل دائرتهم الانتخابيّة إلى حيث يتواجد المقعد المسيحيّ.

 

ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ المواطن المسيحي لا يصوّت فقط للمرشح المسيحي، فهو مواطن مساوٍ لسائر المواطنين ويستطيع اختيار المرشح الكفؤ الذي يرى فيه قادرًا على الخدمة ورسم صورة إيجابيّة للبرلمان القادم. وتبقى مسؤوليّة التوعيّة على واجب التوجه إلى صناديق الاقتراع في العاشر من أيلول المقبل مسؤوليّة جماعيّة، نأمل من خلالها الإسهام برفع نسبة المقبلين أكثر بكثير من المرّة الماضية. ففي بعض دوائر انتخابات 2020، بقيت نسبة المقترعين فقط 11%، وهي نسبة متدنية جدًا، تم وقتها التذرع بفيروس الكورونا. وهذه السنة نأمل التخلص من فيروس التقاعس لكي ترتفع نسبة المشاركة الحقيقية للمواطنين.

 

واختم بما جاء في رسالة البطريرك الاسبق للاتين في القدس البطريرك ميشيل صباح أطال الله في عمره (91 عامًا)، حيث ارسل رسالة بتاريخ 1/7/1993، إلى المؤمنين في الأردن، بمناسبة الإنتخابات النيابيّة لعام 1993، وجاء فيها: "وفيما يختص بالإنتخابات النيابية، فإنّا نذكُّر المؤمنين بواجب المشاركة فيها، فلا يتقاعسوا عن التصويت. وليحكموا ضميرهم وليدلوا بأصواتهم لمن يرونه الأصلح والأفضل بحسب وعيهم الإيماني والوطني. وليحافظوا في كل حال على المحبة والوحدة والوئام فيما بينهم، فلا تكون الإنتخابات النيابية سببًا للمخاصمات والتشهير وتدمير حرية الآخر".

 

ويضيف البطريرك: "من وجد في نفسه كفاءة للخدمة فليرشح نفسه. ومن واجب المؤمن المرشح نفسه للإنتخابات النيابية أن يعرف أنه يرشح نفسه ليخدم الصالح العام، وليخدم غيره قبل خدمته لنفسه. ويحتم عليه الواجب أيضًا أن يخدم بوحي من إيمانه. فهو حامل للبعد المسيحي إيمانًا وحضاريًا في وطنه العربي المسلم وبصورة خاصة في وطنه الأردن. فما يطالبه به وطنه ومواطنوه المسلمون والمسيحيون على السواء هو أن يقدم من خلال خدمته، ومن خلال عمله السياسي، ما لديه من غنى بلده ووطنه ومواطنيه جميعًا".