موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الخميس، ٢٦ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٣
نسوية بيئية.. علاقة المناخ بحقوق المرأة

آية منير – مصر :

 

كثيرًا ما تطرح حقوق النساء والظلم اللاحق بهن والناشطية النسوية في أمثلة واقعية متعلقة بالتحرش، وعدم المساواة في بيئات العمل، والسلطة الذكورية الأبوية في شكلها المباشر، وبعض تفاسير النصوص الدينية، والوسط الأسري... وهي أمثلة تعكس دون شك جوانب مهمة من سردية مؤسِسة للنضال النسوي، ولكن سياقات هذه الأمثلة لا تختزل على أهميتها كل جوانب القضية.

 

تظل النساء حلقة أضعف في الأزمات العالمية، حيث مناطق النزاع وأزمات المناخ وفترات الثورات والجائحات العالمية. بالتأكيد، يتأثر الجميع بتلك الأزمات، ولكن ليس بشكل متساوٍ. ووفقًا للأمم المتحدة: تشكل النساء 70% من سكان العالم الفقراء، و80% من إجمالي النازحين والمشردين نتيجة الكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية هم من النساء. لذلك، نتحدث بعدالة جندرية واجتماعية في ضمن عدالة مناخية مكفولة للجميع، وخاصة في البلاد النامية التي هي أكثر تضرُّرًا من أزمات المناخ، على الرغم من مشاركتها الضئيلة في حدوثها.

 

تَضرُّر النساء من أزمات المناخ يَحدث بسبب أدوارهن الاجتماعية، ومسئولياتهن، وارتباطهن بالأطفال والأسرة؛ ما يجعلهن مرتبطات مكانيًّا، ويصعب عليهن الإخلاء الفردي أو النزوح بشكل أسرع، للحصول مثلًا على مصادر دخل أكبر للأسرة، والتي هي متاحة للرجال، وخاصة في البلاد النامية التي يُناط بالنساء فيها مهمة توفير الموارد الطبيعية كالمواد الغذائية والمؤن، والتي تعتمد فيها الأُسَر عليهن بشكل كامل، لاحتياجها إلى الطعام والمعيشة.

 

أيضًا تعاني النساء أكثر خلال الكوارث الطبيعية الناجمة عن تغيرات المناخ الكارثية من فيضانات وجفاف، بسبب دورهن البيولوجي من حمل وولادة، حتى أثناء الدورة الشهرية التي يَصعب فيها أحيانًا الحصول على فُوَط صحية، في ظل الظروف الاقتصادية المتأزمة نتيجة هذه الكوارث. ومِن ثم فالمرأة تعيش في مستوًى مُتدنٍّ من الرعاية الطبية، وفي ظروف صحية شديدة الخطورة؛ ما يعرض حياتها للخطر.

 

وهذا الحال ينطبق على حق التعليم أيضًا، حيث ذكَر صندوق ملالا (Malala Fund) في أيلول/سبتمبر 2021، بعض العواقب لتأثير تغيُّر المناخ على تعليم البنات تحديدًا: أولها أن الفتيات في الأُسَر التي تمر بأوضاع صعبة، هنّ أكثر عرضة لهجر المدارس والزواج أثناء الأزمات المناخية، من أجل مساعدة أسرهنّ. وبحسب ما ذكرنا، أن مسؤولية توفير المؤن والموارد، ومنها المياه، تُلقَى على الفتيات والنساء. ونتيجة لذلك، تزداد احتمالية سحب الفتيات في أوقات الجفاف من مدارسهن، التي تُغلق بسبب الكوارث المناخية. فيقلُّ احتمال حضور الفتيات إلى المرافق البديلة المؤقتة خوفًا من تعرضهنّ للمضايقات أو للعنف على الطريق، وهو ما يتقاطع مع أزمات العنف ضد النساء وخاصة الجنسي منه.

 

إضافة إلى ذلك تعيش النساء حالة من اللامساواة على مستوى صنع القرار؛ ما يجعلهن يعشن كوارث وأزمات، يتحملن نتائجها فقط؛ إذ إنهن خارج المنظومة الإدارية للأزمة بشكل كبير. وهو ما يطرح -وبقوة- مصطلح "النسوية البيئية"، الذي أطلقته النِّسوية الفرنسية "فرانسواز دوبون" لأول مرة عام 1974. والنسوية البيئية بحسب تعريف ويكي الجندر، هي فلسفة تركز على القضايا البيئية وعلاقتها بالنسوية، وعلى الحديث في أشكال القهر التي تحدث للبيئة والنساء، والتقاطعات بينهما، على اعتبار أنهما نتيجة لهيمنة النظام الأبوي والنظام الرأسمالي.

 

تطرح النسوية البيئية منظورًا هامًّا يفكك القضية البيئية إلى محاور، يؤخذ فيها بعين الاعتبار ما تعيشه النساء من معاناة إضافية بسبب أزمات المناخ، وأساسها هو أولوية توفير الموارد الأساسية والرعاية الصحية، والتي تضمن لهن نجاة من تلك الأزمات. وأيضًا يكمن الحل في تمكين النساء من اكتساب مهارات توفر لهن إمكانية الحصول على فرص عمل خارج المنطقة المتأثرة؛ ما يضمن لهن خروجًا آمنًا.

 

بحسب توصيات الأمم المتحدة حين نتحدث بحلولٍ لِأزمات المناخ، يجب اتباع أسلوب مُراعٍ للنوع الاجتماعي، وقائم على حقوق الإنسان، يستهدف الحفاظ على التنوع وتعزيز التعددية، وإشراك الجميع في صناعة القرار؛ ما يحافظ على التوازن، ويفكك موضوعية النظام الأبوي الذكوري، المسيطر على قضايا العالم، خاصة المناخ.

 

بدون شك أن حفظ حياة الفرد في ظل الكوارث المناخية هو أولوية، ولكن قضايا النساء خلال هذه الكوارث يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أيضًا، كعبء إضافي على كاهل المرأة، يأتي على أساس النوع. للتعامل مع هذه القضايا يجب الاعتراف بدور المرأة كشريك أساسي في التصدي لقضايا المناخ والتعامل معها.

 

(تعددية)