موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
غيّب الموت الحبر الأعظم البابا فرنسيس يوم إثنين الفصح، ونعى قادة العالم رجل الحوار المنفتح ذي المواقف الإنسانية الجريئة. وأشاد العالم العربي برجل تحدثت عنه مواقفه، إن كان ذلك بشأن القضية الفلسطينية والحرب في قطاع غزة، أو جهوده المتواصلة في تعزيز الحوار بين الأديان وبخاصة المسيحية والإسلام.
وفي الصدد يقول رضوان السيد، أستاذ العلوم الإنسانية بجامعة محمد بن زايد بدبي: "منذ أن أتى إلى البابوية في 2013 ومنذ خطابه الأول، تطرق البابا فرنسيس لموضوعين هامين وهما السلام في العالم وكيف يمكن إنقاذه والخروج من الحروب والاضطرابات؟" وأضاف أنه "لا سلام في العالم إلا بالسلام مع الإسلام... وقد أصر على ذلك وزار عشر دول إسلامية".
وقد حثّ الحبر الأعظم مرارًا وتكرارًا على وقف إطلاق النار في قطاع غزة وذلك منذ اندلاع الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حماس إثر هجوم الحركة الفلسطينية على جنوب الدولة العبرية في السابع من تشرين الأول من العام 2023.
وظهر البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان خلال احتفالات عيد الفصح الأحد، أي قبل ساعات من إعلان وفاته، وشجب "وضعًا مأساويًا مخجلاً" في غزة. كما حذّر من "تنامي جو معاداة السامية الذي ينتشر في جميع أنحاء العالم".
وقد نعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس البابا فرنسيس قائلا إنه كان "صديقًا مخلصًا للشعب الفلسطيني.. ومدافعًا قويًا عن قيم السلام والمحبة والإيمان في العالم أجمع... اعترف بدولة فلسطين، ورفع العلم الفلسطيني في حاضرة الفاتيكان".
من جانبه، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إن صوت البابا "في إدانة الوحشية الإسرائيلية ظل عاليًا واضح النبرات حتى اللحظة الأخيرة"، مستذكرًا تواصله "اليوميّ مع سكان غزة وهم تحت العدوان والقصف الإسرائيلي الهمجي عبر مئات الاتصالات المباشرة خلال الشهور الماضية".
أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فاعتبر أن رأس الكنيسة الكاثوليكية "كرّس حياته لخدمة قيم السلام والعدالة، وعمل بلا كلل على تعزيز التسامح والتفاهم بين الأديان... كان مناصرًا للقضية الفلسطينية، مدافعًا عن الحقوق المشروعة، وداعيًا إلى إنهاء الصراعات وتحقيق سلام عادل ودائم".
من جهته، قال الملك عبدالله الثاني إن البابا فرنسيس كان "رجل سلام حظي بمحبة الشعوب لطيبته وتواضعه". وأشاد عبر إكس بـ"رجل السلام الذي حظي بمحبة الشعوب لطيبته وتواضعه، وعمله الدؤوب للتقريب بين الجميع. ستبقى ذكراه خالدة في قلوب الملايين". كما أعلنت المملكة الأردنيّة الهاشمية تنكيس الأعلام لمدة ثلاثة أيام حدادًا على وفاة البابا.
وفي العاصمة بيروت، قال رئيس الجمهورية جوزاف عون "إننا في لبنان، وطن التنوع، نشعر بفقدان صديق عزيز ونصير قوي"، واعتبر أنه حمل "لبنان في قلبه وصلواته.. ولم يبخل بالدعاء للبنان وحث العالم على مساندة بلد الأرز في محنته. وأضاف: "لن ننسى أبدًا دعواته المتكررة لحماية لبنان والحفاظ على هويته وتنوعه". وأعلن رئيس الوزراء نواف سلام الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام في البلاد.
وفي شمال العراق، دقّت أجراس الكنائس بعد ظهر الإثنين حزنًا على رحيل البابا فرنسيس الذي زار البلاد قبل أكثر من أربعة أعوام. وكانت زيارة تاريخية إذ شكّلت أول زيارة يجريها حبرًا أعظم للبلد ذي الغالبية الشيعية، دامت ثلاثة أيام في آذار 2021.
وخلال جولته، زار البابا كنيسة الطاهرة الكبرى في قرقوش التي دُمّرت خلال سيطرة "تنظيم الدولة الإسلامية" على مساحات واسعة من البلاد في الفترة ما بين 2014 و2017. كما أجرى البابا لقاء منفردًا مع المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني.
وخلال رحلاته العديدة إلى بلدان يشكل المسلمون أغلبية سكانها، حرص البابا فرنسيس على مد اليد نحو "الإخوة والأخوات"، موقعًا في العام 2019 على وثيقة "الأخوة الإنسانيّة للسلام والعيش المشترك" مع شيخ الأزهر، أعلى مرجع سني في العالم.
وقد حيا شيخ الأزهر أحمد الطيب البابا الذي توفي "بعد رحلة حياة سخّرها في العمل من أجل الإنسانية، ومناصرة قضايا الضعفاء، ودعم الحوار بين الأديان والثقافات المختلفة". كما ذكّر بحرصه "على توطيد العلاقة مع الأزهر ومع العالم الإسلامي، من خلال زياراته للعديد من الدول الإسلامية والعربية، ومن خلال آرائه التي أظهرت إنصافًا وإنسانية، وبخاصة تجاه العدوان على غزة والتصدي للإسلاموفوبيا المقيتة".
وما فتئ البابا فرنسيس يدافع عن جميع القضايا بما فيها تلك المتعلقة بـ"أنسنة العمل الديني وقضايا الحوار الديني" أي "قضايا العمل الإنساني الكبرى" وفق رضوان السيد، الذي يؤكد أن البابا "كان مصرًا على إنسانيّة الدين ليؤدي رسالته على خير ما يكون، إذا اهتم بالمشاكل والقضايا الإنسانية كلها".
ويضيف أستاذ العلوم الإنسانيّة قائلا إنّ "البابا فرنسيس ظل يذكر وثيقة الأخوة الإنسانية التي صدرت في العام 2019 في كل خطاباته طوال السنوات الأولى من بابويته... وكان يقول الآتي: لدينا -مفهومان- في هذين الدينين الكبيرين: مفهوم المحبة في المسيحية ومفهوم الأخوة في الإسلام.. وبفضل هذين المفهومين.. نستطيع مد الجسور وهدم الأسوار".