موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٢٣ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٤
لغتنا مسيحيّة لغتنا واحدة

الأب أثناسيوس شهوان :

 

"ليكون الجميعُ واحدًا" هكذا صلَّى الربُّ يسوع المسيح.

 

الربُّ أسَّس كنيسة واحدة لا كنائس، وهي كنيسة مستقيمة الرأي والقول والإيمان والعبادة والتمجيد، وهذا معنى كلمة أرثوذكسيَّة في اللغة اليونانيَّة، وفي الوقت نفسه هي كنيسة جامعة وعامَّة، وهذا أيضًا معنى كلمة كاثوليكيَّة في اليونانيَّة.

 

وعندما نقول في دستور الإيمان «وبكنيسة واحدة جامعة مقدَّسة رسوليَّة»، نعني كما يقول كتاب أعمال الرسل عن المسيحيِّين الأوَّلين: «وكانوا يواظبون على تعليم الرسُل، والشركة، وكسر الخبز، والصلوات».

 

تحدِّد الآية تعريف الكنيسة المستقيمة الرأي -الجامعة (الأرثوذكسيَّة –الكاثوليكيَّة)، بنقاط أربع هي:

 

1- تعليم الرسل، أي ما أخذوه هم من الربِّ يسوع مباشرة وسلَّمونا إيَّاه.

 

2- الشركة، وهي شركة المحبَّة.

 

3- كسر الخبز، أي سرُّ الإفخارستيَّة، جسد ودم الربِّ الكريمين. وهذا واضح منذ البداية عند بولس الرسول وفي حياة الجماعة.

 

4- الصلوات بصدق دون كلل.

 

لهذا، فالكنيسة هي جماعة المؤمنين المصلِّية باستقامة، والملتفَّة حول كأس المناولة، والعائشة بحسب الإنجيل، والمترجمة لمحبَّة الله أفعالًا مع الآخرين.

 

فعندما نناشد الوحدة نكون نعترف بوجود انشقاقات. معالجة هذا الأمر يتطلَّب جرأة وموضوعيَّة، وجدِّيَّة لتحقيق الوحدة كي لا تبقى أسبوعًا في السنة، بل طوال السنة، وليس فقط في الوقوف جنبًا إلى جنب للصلاة، بل لرفع الكأس الواحدة أسراريًّا، عندها تكون لغتنا مسيحيَّة، وواحدة.

 

الشيء الجوهريُّ هو أن نميِّز بين ما تسلَّمناه من إيمان، وبين ضعفاتنا جميعًا مهما علا شأننا.

 

طبعًا هناك فروقات عقائديَّة بين الكنيسة الأرثوذكسيَّة والكنيسة الكاثوليكيَّة، واعتبار الفروقات باهتة وليست ذات أهمِّيَّة لهو هرطقة بحدِّ نفسها.

 

وإذا قلنا إنَّ الأرثوذكسيَّة حافظت على وديعة الإيمان المستقيم كما هو، والكاثوليكيَّة أضافت أمورًا لم تكن موجودة، والبروتستانتيَّة حذفت أمورًا كانت موجودة، بحيث أتت ردَّة فعلها على ممارسات خاطئة في الغرب، أقوى من الفعل نفسه، إذا قلنا هذا الكلام، نكون نتكلَّم «علمًا» وليس تجريحًا.

 

فالوحدة المسيحيَّة لا تعني أن يُلغى الآخر، بل تعني أن نكون جماعة واحدة كما أرادها الربُّ أن تكون. فالتنوُّع في ترجمة الإيمان الصحيح بطرق صحيحة، هو لأكثر من مبارك، وغنًى.

 

من الفروقات مثلًا أن يكون المسيح جعل بطرس الرسول صخرة كنيسته كما يقول التعليم الكاثوليكيُّ .

 

الأرثوذكسيَّة تقول بأنَّ النصَّ الإنجيليَّ واضح. فالربُّ قال لبطرس: «أَنْتَ بُطْرُسُ Petros، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي Petra أبني كنيستي».

 

الصخرة هي المسيح الَّذي صُلِبَ وقام وأقامنا معه. وكلام يسوع لبطرس جاء نتيجة جواب الأخير على سؤال يسوع: «مَن يقول الناس إنِّي أنا ابن الإنسان؟». وبطرس أجابه: «أنت هو المسيح ابن الله الحيِّ!». وأكَّد له الربُّ بأنَّ جوابه كان إعلانًا إلهيًّا. وما هي لحظات حتَّى أخطأ بطرس ووقف في وجه صلب يسوع، فيقول له الربُّ: «اذهبْ عنِّي يا شيطان!». فهل أصبح بطرس شيطانًا؟ بالطبع لا.

 

كلُّ الأمر أنَّه عندما كان جواب بطرس مستقيمًا مدحه الربُّ، وعندما أخطأ أبعدَهُ.

 

وإن قالت الأرثوذكسيَّة بأنْ ليس مِن أوَّل إلَّا الربُّ، ولا نائب له لأنَّه حاضر دائمًا، وليس هناك من خلافة لبطرس، لأنَّ الأمر ليس وراثيًّا، ولا أحد معصوم إلّا يسوع، وأنَّ أسقف روما هو أوَّل بين متساوين بالمحبَّة، وشرفيًّا، بحيث أن روما كانت عاصمة الامبراطوريَّة، وبعدها أصبحت القسطنطينيَّة روما الجديدة مع قسطنطين، فإنْ قالت هذا، لا تكون تُنزل من كرامة بطرس الرسول إطلاقًا، وخدمتُه الليتورجيَّة في الكنيسة الأرثوذكسيَّة تؤكِّد بأنَّه هامة الرسل مع بولس الرسول.

 

ولا ننسَ أنَّ يسوع أعاد بطرس إلى الرعاية بعدما نكره ثلاثًا. لهذا قال له: «ارْعَ خِرَافِي»، أي أنَّ مَن يتوب ويعود هو مقبول.

 

ومَن يراجع تاريخ الكنيسة يجد أنَّ كلَّ بطريرك في بطريركيَّته متساوٍ مع البطاركة الآخرين. هكذا كانت الكنيسة في الألف الأوَّل، إذ كان يوجد خمس بطريركيَّات: أورشليم وأنطاكيا والاسكندريَّة وروما والقسطنطينيَّة.

 

وصحيح أنَّ الكنيسة الأرثوذكسيَّة هي مجمعيَّة، ولكن مَن قال إنَّها لا تمارس ديمقراطيَّة زائفة، وذلك عندما يكون للبطريرك الأكثريَّة في المجمع، فيكون ما يريده.

 

من الفروقات أيضًا الخطيئة الأصليَّة، فالأرثوذكسيَّة تقول بأنَّنا جميعًا نرث نتائجها مثل الموت والمرض، ولكن لا نولد عندنا الخطيئة الأصليَّة. وبالتالي لا تؤمن بالحبل بلا دنس التي أقرّت عام 1854م، ومفادها أن مريم عصمها الله من كل صلة بالخطيئة الأصليّة، أي حفظها لحظة تكوينها في أحشاء والدتها حنّة كي لا تنقل لها الخطيئة، وتنقلها بدورها ليسوع.

 

وتؤكّد الأرثوذكسيّة أن مريم باتِّضاعها الكبير جذبت الله أن يتجسَّد منها، فقالت: «وتبتهج روحي بالله مخلِّصي، لأنَّه نظر إلى اتِّضاع أَمته».

 

كما لا تؤمن بالمطهر معطية مثلًا عن الابن الشاطر ولصِّ اليمين اللذين نالا الخلاص فورًا بمجرَّد أن تابا.

 

كذلك تقول عن الروح القدس كما قال الربُّ: «روح الحقِّ، الَّذي من عند الآب ينبثق». فكما الابن مولود من الآب، كذلك الروح القدس منبثق من الآب. وبخلاف ذلك يُضرَب مفهوم الثالوث القدُّوس. وهذا ما نصَّ عليه الجزء الثاني من دستور الإيمان في المجمع المسكونيِّ الثاني في العام 381م.

 

نهايةً، الوحدة لا تتمُّ إلَّا إذا تواضعنا تواضُع المسيح، وكان هو الأوَّل والكلَّ في الكلِّ. فإلهنا واحد، وكلنّا خطأة وبحاجة لرحمته.

 

إلى الربِّ نطلب.

 

 

(النشرة اللبنانية)