موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر السبت، ٦ يوليو / تموز ٢٠٢٤
بين معالجة غزّيين مصابين وبلسمة جراحهم النفسية... المهمة الصعبة لأطباء في العريش

أ ف ب :

 

على متن المستشفى العائم الإماراتي الراسي في ميناء مصري، يطمئن الطبيب عبدالله الزحمي طفلًا بُترت قدمه بعد إصابته في قطاع غزّة بأنه سيتمّ تركيب طرف اصطناعي له... هنا، لا تقتصر مهمة الأطباء على تقديم العلاج لإصابات بالغة، إنما تتعداها الى مرافقة نفسية وإنسانية ملحة لمن يعيشون أهوال حرب مدمرة منذ تسعة أشهر.

 

ويقول نائب المدير الطبي للمستشفى الإماراتي العائم والمسؤول الإداري فيه لوكالة فرانس برس التي قامت بزيارة منظمة الى المستشفى الخميس، إن يزن السودا (9 أعوام) اجتاز معبر رفح "منفردأ، لم يسمح لأحد من أهله بمرافقته".

 

ويروي أن حالة الطفل "شكّلت في البداية هاجسا بالنسبة لنا، إذ إن التعامل معه كان صعبًا لأنه كان عاطفيًا ومحتاجًا لأمه أو أبيه". ويضيف "لكن مع مرور الأيام أصبح يزن واحدا من أسرتنا... اليوم، أصبح بالنسبة لنا أيقونة بسبب تمسكه بالحياة وابتسامته الدائمة وحبّ الجميع له".

 

ثم يسأل الزحمي الطفل عن والديه اللذين يتابعان أخباره يوميا عن بعد عبر الهاتف.

 

منذ بدء عملياته في شباط الماضي، قدّم المستشفى العلاج لأكثر من 2400 شخص، بحسب الزحمي. وكان المصابون يمرون من قطاع غزة الى الجانب المصري عبر معبر رفح الحدودي، بموجب إجراءات معقّدة تتطلّب موافقة إسرائيل ومصر وشروطًا أخرى. إلا أنّ المعبر مغلق منذ السابع من أيار، تاريخ سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني منه.

 

والمستشفى الإماراتي هو أحد المراكز التي تستقبل المصابين والمرضى الخارجين من غزة. وغالبا ما يتحوّل الى مقرّ إقامة لهؤلاء على مدى أسابيع وأحيانًا أشهر. ويقول الزحمي لوكالة فرانس برس، بينما يمازح يزن، "لم تعد العلاقة علاقة تقليدية بين المريض والطبيب، بل أصبحنا كلنا أسرة واحدة. يوميًا نرى بعضنا البعض، نتكلم بأريحية، نهتمّ باحتياجاتهم ومشاكلهم وأوجاعهم النفسية".

 

ويخضع الطفل لعملية تأهيل نفسي واجتماعي في المستشفى أيضا.

 

 

"أودّ أن أعود إلى غزة"

 

على متن السفينة البالغ طولها 200 متر والراسية في ميناء العريش المصري على بعد نحو أربعين كلم عن حدود غزة، نُصبت خيم تضمّ كل واحدة منها أسرّة عديدة، لتصل السعة الإجمالية إلى مئة سرير إضافة إلى مئة سرير آخر لمرافقي المرضى.

 

داخل خيمة، يجلس يزن مبتسمًا على سرير ويُري الطبيب صورةً تُظهره ووالده مرتديَين بزات رسمية قبل اندلاع الحرب. ويقول لفرانس برس إنه بعد تركيب الطرف الاصطناعي، "أريد أن أمشي وألعب كرة القدم"، مؤكدًا أن "لاعبه المفضّل هو رونالدو".

 

ويضيف "أودّ أن أعود إلى غزة وأقيم مع أبي وأمي".

 

ويضمّ المستشفى قسما للعمليات الجراحية ووحدة للعناية الفائقة والتخدير وقسم أشعة سينية إلى جانب الصيدلية والمختبر. يعمل فيه طاقم طبي مؤلف من 60 فردا باختصاصات مختلفة بينها التخدير والجراحة العامة والعظام والطوارئ والعناية المركزة والباطنية إضافة إلى متخصصين في جراحة المخّ والأعصاب والفكّ والأسنان.

 

ومنذ افتتاحه، أجريت أكثر من 840 عملية جراحية فيه، بحسب الزحمي.

 

ويصف الطبيب المستشفى العائم بأنه "مجتمع متكامل"، مشيرًا إلى أنه يوفّر وسائل الراحة من "إعاشة وخطوط اتصال مع الأقارب في غزة أو في أي مكان في العالم، وإنترنت عالي السرعة، ومناطق خارجية للعب وللاستراحة ومكانا للصلاة".

 

 

"الجرح صعب"

 

في ممر ضيّق بين الخيم، يتجمّع مسنّون على كراسٍ متحركة مع ذويهم: جروحهم مختلفة لكن يجمعهم الألم نفسه.

 

وتقول فادية المدهون (44 عاما) المرافِقة لزوجها في المستشفى، بسبب إصابة تعرّض لها جراء قصف طال منزلهما في غزة، "تركنا المنزل بعد أن قصف. لم نأخذ ملابس ولا أي شيء آخر.. قدّموا لنا كل شيء هنا". وتشير الى "الدعم النفسي المقدّم لأطفالنا".

 

ورغم أنها لا تشعر "بالغربة هنا"،لكنها تأمل "في العودة إلى غزة".

 

في البهو الرئيسي للسفينة، تستعدّ سيارات إسعاف لنقل أشخاص أنهوا علاجهم في المستشفى العائم، إلى طائرة تجليهم إلى الإمارات لاستكمال مراحل علاجية أخرى.

 

ووفق الزحمي، هم من بين أشخاص تمّ قبولهم لاستكمال العلاج في مستشفيات دولة الإمارات ضمن مبادرة لاستقبال 1000 طفل فلسطيني جريح و1000 مصاب بالسرطان من قطاع غزة. وهناك مرضى يخرجون بعد أن أنهوا عملياتهم الجراحية في المستشفى العائم، فتستقبلهم مصر في مساكن مخصصة لهم. أما الذين لا يزالون يحتاجون إلى نوع من العلاج ولم يتمّ تحويلهم إلى الإمارات، فيتكفّل الهلال الأحمر الإماراتي بعلاجهم في أحد المستشفيات المصرية.

 

تهرع فتيات تتراوح أعمارهنّ بين أربع وثماني سنوات نحو الدكتور الزحمي ليلقينَ عليه التحية أثناء مروره بين الخيم. ويقول الزحمي "رأينا عوائل كثيرة خسرت أطفالها وأشخاصا خسروا آباءهم وأمهاتهم..."، مضيفا "نسمع كثيرًا ونحاول أن نتقبّل، لكن في النهاية مهما واسيناهم، الجرح صعب ويبقى في الذاكرة".