موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٩ فبراير / شباط ٢٠٢٤
الكاردينال فيرناندو فيلوني يكتب: أبدًا لا يكفي
إعادة قراءة احدى المواعظ التاريخية للبابا بندكتس السادس عشر عن "كرسي بطرس"
الكاردينال فيرناندو فيلوني، المعلم الكبير لجماعة فرسان القبر المقدس

الكاردينال فيرناندو فيلوني، المعلم الكبير لجماعة فرسان القبر المقدس

ترجمها عن الإيطالية الخوراسقف د. غزوان يوسف بحو :

 

كالحب الذي لا نتعب أبدًا من عيشه، والترنيم به والحديث عنه بكل أشكال الإبداع البشري الممكنة، كذلك بالنسبة للمسيح، أبدًا لا يكفي؛ وأيضًا بالنسبة للكنيسة، أبدًا لا يكفي. من الواضح أنني لا أشير فقط إلى الحديث عن هذا الموضوع في وسائل الإعلام (التي غالبًا ما تتعامل معه بطريقة غير مناسبة)، بل ادعو إلى الكلام عنه بصوت عالٍ، وبمعنى عميق، خاصة وأن إنسانيات الكنيسة موجودة من أجل الجميع، وتحتل مركز الأخبار اليومية.

 

لذا قررت أن أكتب شيئًا حينما وجدت بين يدي عظة تاريخية كتبها بندكتس السادس عشر في سنة 2012. كانت في مثل هذه الأيام، حيث يمنح الباباوات في هذه المناسبة، أي يوم 22 شباط، وهو عيد كرسي القديس بطرس والذي يعود لتقليد قديم، القبعة الكاردينالية للكرادلة الجدد. لذلك فان هذا التوقيت مثير جدًا للحديث عن رسالة الكرسي الرسولي، ولكن الأهم أن نقوله هنا هو معنى "كرسي" بطرس في حد ذاته.

 

ويبدو لي ان هذا الموضوع مهم جدا اليوم في الوقت الذي تشهد فيه الكنيسة ضغوطا عديدة، حتى من داخل الكنيسة نفسها، والتي تريد ان تسحب كرسي بطرس إلى طرفها، بحيث تصل في بعض المرات الى اتهام الكنيسة بفشلها في المهمة التي أوكلها إليها المسيح أو اعتبارها منحرفة عن مسارها.

 

القضية لا تتعلق بالجانب الاجتماعي والسياسي، أي ببساطة العمل بما يتوافق مع العصر والحداثة، والتي تتناقض في بعض المرات وتعتبر متاخرة عن عجلة التاريخ (بحسب الكاردينال مارتيني)، أو من جانب اخر يرى البعض ان هناك انقطاعاً عن التقليد الكنسي.

 

ان القضية تتعلق بإيمان الكنيسة وبشكل خاص بالكرسي الرسولي. أتيحت لبنديكتوس السادس عشر الفرصة للتدخل في هذه المسألة عدة مرات، وقد فعل ذلك من خلال نفوذ سلطته العليا، وحتى من جانب ثقافته الرفيعة المستوى.

 

إن يسوع، كما قالها الحبر الأعظم ذات مرة، يبني كرسي بطرس مثل حجر، مثل صخرة، ويسلمه بالتحديد لبطرس، لأنه فيه يبني الأساس المنظور الذي يقوم عليه الصرح الروحي للكنيسة بأكمله وفقًا للتعليم الذي تستمده من إنجيل متى (16: 16-19). وأشار راتزينغر إلى أنه في هذا الموضوع، يمكن أن نستعين بنص حاخامي، وأقول انه جميل جدًا، حيث توجد مناجاة لطيفة جدًا الى الله الكلي القدرة: قال الرب: “كيف يمكنني أن أخلق العالم عندما يقوم هؤلاء الملحدون الذين يتحولون ضدي؟” ولكن عندما رأى الله أن إبراهيم سيولد، قال مرة أخرى: “ها أنا قد وجدت صخرة يمكنني أن أبني واسس عليها العالم!”

 

والآن، بما أن سمعان كان في قيصرية فيليبي أول من اعترف بيسوع انه المسيح، وأصبح فيما بعد أيضًا الشاهد الأكثر سلطة لقيامة المسيح، وكما دعا إبراهيم صخرة، دعا بطرس ايضا حجر. وهكذا فإن المهمة الأولى لبطرس وخلفائه ستكون دائمًا الاعتراف بالإيمان بيسوع المسيح، وفي الوقت نفسه، وحدة الإيمان، التي بدونها تفقد الكنيسة نفسها هويتها ورسالتها، وتتحول ببساطة إلى مجرد مجتمع إنساني.

 

لا يمكن أن يختلف إيمان الكنيسة عن إيمان المسيح وفي المسيح، والسلطة التعليمية البطرسية مدعوة إلى ترسيخ الإيمان بالإخوة؛ خدمة متواضعة غالبًا ما لا تستطيع ان تنفصل عن الواقع البشري لكل حبر والواقع الفائق الطبيعة الذي يضمنه المسيح نفسه؛ والأخيرة هي الضمانة التي تعمل على التغلب على كل حاجز وكل ما هو غريب، وخلق شركة بين الاختلافات العديدة.

 

وهكذا أيضًا تظهر بشكل واضح أولوية المحبة، سواء بالمعنى الإفخارستي، التي هي قلب الإيمان (ولكن كثيرًا ما يتجاهله المعمدون اليوم)، أو بالاهتمام بالفقراء، أي “فقراء الله” (ليس بالمعنى السوسيولوجي) وأولئك “الفقراء في الاحتياجات الإنسانية”: الحقوق المنتهكة، ونقص الخيرات، والمستبعدون أو المهمشون (بالمعنى السوسيولوجي الحقيقي).

 

لقد تحدث بندكتس السادس عشر عن ذلك بإسهاب في رسالته العامة والمعاصرة جدا “المحبة في الحق”، مشيرًا إلى أنه “في المسيح، المحبة في الحق تصبح وجه شخصه هو، وهي دعوة لنا أن نحب إخوتنا، في حقيقة خطته. في الواقع، هو نفسه الحق (راجع يوحنا 14: 6)” (رقم 1).

 

ثم أكد بعبارات واضحة للغاية أن الكنيسة لا تنظم نفسها بطريقة اتوماتيكية، ولا تعطي لنفسها نظامها الخاص، بل تستلمه من كلمة الله، التي تستمع اليها بإيمان وتبحث أن تفهم كيف تعيش. في عام 2010، أذهلتني بشدة مقالة قصيرة كتبتها إيدا ماكلي، وهي باحثة متبحرة في الأنثروبولوجيا الثقافية والظواهر المرتبطة بالمقدسات (وكذلك هي مؤلفة احد كتب يسوع الناصري)، والتي أشارت إلى أنه في مجتمع مثل مجتمعنا: “ان الكنيسة بدون يسوع تموت”؛ ثم سألت نفس سؤال الشاعر توماس إليوت وتسائلت هي نفسها “هل الإنسانية هي التي تخلت عن الكنيسة أم أن الكنيسة هي التي تخلت عن الإنسانية؟".

 

هكذا فانه عندما نتحدث عن المسيح وعن كنيسته، فانه “ابداً لا يكفي”! وأبناء عهدي يعرفون ذلك جيدًا لأننا “ولدنا” في مجمع (المجمع الفاتيكاني الثاني) تعامل لأول مرة مع الكنيسة لاهوتيًا وظهر فيه المسيح “نور الأمم” (Lumen gentium) وفيه الكنيسة “سر اللقاء مع الله”، لقد كنا معجبين به بشدة وما زلنا كذلك. هل هناك قلت الحماسة إلى حد ما بين “أحفاد” هذا المجمع؟

 

(موقع البطريركية الكلدانية)