موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يرد في الموسوعة الكنسيّة الكاثوليكيّة، في سجلّ الشهداء والقدّيسين، عن قدّيسَين حملوا اسم فالنتاين ومنهم: القدّيس فالنتاين أسقف روما، والقدّيس الثاني من سكّان مدينة تورني، وكلاهما عاشا في القرن الثالث للميلاد.
لا يعرف المؤرّخون الكثيرعن حياة القدّيس فالنتاين قبل بدء خدمته الكهنوتيّة. عاش في عهد الإمبراطور الروماني الوثني كلاوديوس الثاني. كان كاهنًا كاثوليكيًا ثمّ أصبح أسقف روما، وكان متخصّصًا في الطب أيضًا. في ذلك العهد، لم يتمكّن الشباب من الزواج علنًا في روما، بسبب الأمر الذي أصدره الإمبراطور كلاوديوس الثاني، والذي يمنع زواج الشبّان، بهدف زيادة عدد الجنود المحاربين. وكان الإمبراطور على يقين أنّ المتزوّجين يستحيل أن يكونوا جنودًا أكفاء، خاصة لأنّهم كانوا يرفضون الذهاب إلى المعركة. ومن هنا أتى المنع والحظر.
ولكن من أجل الدفاع عن حقوق الشباب المهضومة، كان الأسقف فالنتاين يقوم بإتمام مراسم الزواج الكنسيّة في الخفاء. ولقد أراد كلاوديوس تجنيد الكثير من الشبان غير المتزوّجين، ليكونوا جنودًا في جيشه. واعتقد أن الزواج سيكون عقبة كبيرة أمام زيادة عدد الجنود. كما أراد أن يمنع الجنود من الزواج، لأنّ الزواج –حسب رأيه - سوف يلهيهم عن عملهم.
عندما اكتشف الإمبراطور كلاوديوس ما كان يفعله فالنتاين سرًّا، أمر بإلقاء القبض عليه وسجنه. وقد استغلّ فالنتاين وقته في السجن، للتواصل مع الناس وخدمتهم قدرالإمكان. كما أصبح صديقًا للسجّان "أستيريوس"، الذي تأثر كثيرًا بحكمة فالنتاين ومحبّته للناس، لدرجة أنّه طلب من فالنتاين أن يساعد ابنته الطفلة "جوليا" في دروسها. كانت جوليا ضريرة، وتحتاج إلى مَن يقرأ لها المواد التي تتعلّمها. وهكذا نمت أواصر الصداقة بين فالنتاين وجوليا من خلال عمله معها.
وفي نفس الوقت، أُعجب الإمبراطور كلاوديوس بشجاعة فالنتاين وطيبته. وعرض عليه أن يعفوعنه ويُطلق سراحه، إذا تخلّى عن إيمانه المسيحي، ووافق على عبادة الآلهة الرومانية. ورفض فالنتاين الشروط، وتجرّأ وطلب من الإمبراطور كلاوديوس أن يؤمن بالسيّد المسيح، ممّا أثارغضب الإمبراطور، وأمر بتنفيذ حكم الإعدام في الرابع عشر من شهر شباط سنة 270.
وكان تاريخ الحكم عليه بالموت بداية الاحتفال لإحياء ذكرى القدّيس الذي خدم الشباب بمحبّة، ودافع عن حقّهم الطبيعي في الحب والزواج. وأصبح يُعَدّ في مصافّ القدّيسين، وقد عمل الله من خلاله على مساعدة الناس بطرق خارقة.
وبعد أكثر من مئتي عام، وبحلول عام 496م ، بدأ الاحتفال بالعيد في الكنيسة الكاثوليكية، على شرف القدّيس فالنتاين أسقف روما، والذي حدّده قداسة البابا جيلاسيوس الأوّل، يوم 14 شباط من كلّ عام. كما أنّ أشهر معجزة تُنسب إلى القدّيس فالنتاين، حدثت بسبب رسالة الوداع التي أرسلها إلى الطفلة جوليا. يقول الشهود إن الله قد شفى جوليا بأعجوبة من العمى، حتّى تتمكّن من قراءة رسالة فالنتاين بنفسها.
مع مرور الزمن وفي القرن التاسع عشر، حوّلت الرأسمالية عيد تكريم القديس فالنتاين إلى "عيد الحب" وإلى موسم تجاري مربح، تمامًا كما حوّلت عيد القدّيس نقولاوس إلى "سانتا كلاوز"، الذي لا علاقة له بالقدّيس نقولاوس محبّ الفقراء، لا من قريب ولا من بعيد.
خاتمة
العبرة في هذا العيد أنّ القدّيس فالنتاين يُعلّمنا أن نتذكّرمحبّة الله العظيمة للبشرية جمعاء، وأن نحبّ القريب كما أحبّنا الله. "لأنّه هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد..." (يو 3: 16). إنّه وقت العطاء كما فعل القدّيس فالنتاين الذي حمل مشعل المحبّة والرحمة لجميع الناس. ويبقى لنا قدوة في بذل الذات حتّى الموت والاستشهاد: من أجل الدفاع عن حقوق الشباب والمظلومين. وطبّق في حياته ما ورد في الإنجيل الطاهر: "المحبّة لا تفرح بالظلم، بل تفرح بالحق... والآن تبقى هذه الأمور الثلاثة: الإيمان والرجاء والمحبّة، ولكن أعظمها المحبّة" (1 قور 13 : 6 وت).