موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تلا البابا فرنسيس، ظهر الأحد، صلاة التبشير الملائكي من مكتبة القصر الرسولي بالفاتيكان.
وقبل الصلاة، ألقى قداسته كلمة قال فيها: يُظهر لنا إنجيل هذا الأحد، إذا جاز التعبير، "انتقال الشهادة" من يوحنا المعمدان إلى يسوع. كان يوحنا سابقه، وقد مهَّد له المجال والطريق: الآن يمكن ليسوع أن يبدأ رسالته ويعلن الخلاص الحاضر. وتتلخص بشارته في هذه الكلمات: "حانَ الوَقتُ وَاقتَرَبَ مَلَكوتُ الله. فَتوبوا وَآمِنوا بالبِشارَة". إنها رسالة تدعونا للتأمّل حول موضوعين أساسيين: الوقت والارتداد.
تابع: في هذا النص من الإنجيلي مرقس، ينبغي فهم الوقت على أنه مدة تاريخ الخلاص الذي حققه الله؛ لذلك، فإن الوقت "الذي تمَّ" هو الوقت الذي يصل فيه هذا العمل الخلاصي إلى ذروته، وتحقيقه الكامل: إنها اللحظة التاريخية التي أرسل فيها الله الابن إلى العالم وأصبح فيها ملكوته "قريبًا" أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك، فإن الخلاص ليس تلقائيًا. الخلاص هو عطية الحب، إنّه عطيّة تقدّم للحريّة البشريّة، لأنّه عندما نتحدّث عن الحب نحن نتحدّث عن الحريّة والحب بلا حريّة ليس حبًّا وإنما مصلحة أو خوفًا أو أي شيء آخر، لأن الحب هو حرّ على الدوام ولكونه حرٌّ هو يتطلب استجابة حرّة: أي إنّه يتطلب ارتدادنا. إنها مسألة تغيير ذهنيّة وتغيير حياة: التوقف عن اتباع نماذج العالم، وإنما نموذج الله، الذي هو يسوع. إنه تغيير قاطع في الرؤية والموقف. في الواقع، لقد حملت الخطيئة إلى العالم ذهنيّةً تميل إلى إثبات الذات ضد الآخرين ضد الله وأيضًا، ولهذا الغرض هي لا تتردد أبدًا في استخدام الغش والعنف.
أضاف: كلّه يتعارض مع رسالة يسوع الذي يدعونا إلى الاعتراف بأننا بحاجة إلى الله ونعمته؛ وإلى التحلّي بموقف متوازن تجاه الخيور الأرضيّة؛ ولكي نكون مضيافين ومتواضعين تجاه الجميع؛ ولكي نعرف ونحقق ذواتنا في لقاء الآخرين وخدمتهم. بالنسبة لكل واحد منا، فإن الوقت الذي يمكننا فيه قبول الفداء هو قصير: إنه مدة حياتنا في هذا العالم. الحياة هي عطيّة من محبة الله اللامتناهية، ولكنّها أيضًا زمنٌ للتحقق من محبتنا له؛ لذلك فإن كل لحظة من حياتنا هي وقت ثمين لكي نحب الله والقريب، وبالتالي لندخل في الحياة الأبدية.
تابع: إنّ قصّة حياتنا تملك إيقاعين: واحد قابل للقياس يتكون من ساعات وأيام وسنوات؛ والآخر، يتكون من مواسم نمونا: الولادة، والطفولة، والمراهقة، والنضج، والشيخوخة، والموت. وكل فترة، وكل مرحلة لها قيمتها الخاصة، ويمكنها أن تكون لحظة مميزة للقاء مع الرب. وبالتالي يساعدنا الإيمان على اكتشاف المعنى الروحي لهذه الأوقات: كل منها يحتوي على دعوة خاصة من الرب، يمكننا أن نجيب عليها بشكل إيجابي أو سلبي. نرى في الإنجيل كيف أجاب سمعان وأندراوس ويعقوب ويوحنا: لقد كانوا رجالاً ناضجين، وكان لديهم عملهم كصيادين وحياة عائلية... ومع ذلك، عندما مر يسوع ودعاهم، "َتَركوا الشِّباكَ لِوَقتِهِم وَتَبِعوه".
وختم قداسة البابا فرنسيس كلمته بالقول: أيها الإخوة والأخوات الأعزاء لنتنبّه ولا نسمحنَّ بأن يعبر يسوع بدون أن نستقبله. لقد كان القديس أوغسطينوس يقول: "أخاف من أن يعبر الله بدون أن أتعرّف عليه وأراه وأقبله". لتساعدنا مريم العذراء لكي نعيش كلَّ يوم وكل لحظة كزمن خلاص يمرُّ فيه الرب ويدعونا لاتباعه كلٌّ بحسب حياته؛ ولتساعدنا لكي نرتدَّ من ذهنيّة العالم إلى ذهنيّة المحبّة والخدمة.
من يتجاهل الكتاب المقدس يتجاهل المسيح
وبعد تلاوة صلاة التبشير الملائكي، حيا البابا فرنسيس العائلات والجماعات والمؤمنين، الذين يتابعون صلاة التبشير الملائكي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقال: هذا الأحد مخصص لكلمة الله. إنَّ إحدى أعظم عطايا عصرنا هي إعادة اكتشاف الكتاب المقدس في حياة الكنيسة على جميع المستويات؛ إنَّ الكتاب المقدس لم يكن متاحًا للجميع من قبل وبجميع اللغات أما الآن فهو موجود أيضًا في الأشكال السمعية والبصرية والرقمية.
تابع: يقول القديس إيرونيموس، الذي ذكرته مؤخرًا في الذكرى المئوية السادسة عشرة لوفاته، إن من يتجاهل الكتاب المقدس يتجاهل المسيح، والعكس صحيح، لأن يسوع المسيح، الكلمة الذي صار جسداً ومات وقام، هو الذي يفتح أذهاننا على فهم الكتاب المقدس. يحدث هذا الأمر بشكل خاص في الليتورجيا ولكن أيضًا عندما نصلي بمفردنا أو في مجموعات. ولاسيما مع الإنجيل والمزامير. أشكر الرعايا وأشجعها على التزامها المستمر في التربية على الإصغاء إلى كلمة الله. لا يجب أن يغيب عنا أبدًا فرح نشر الإنجيل. وأكرر مرة أخرى: اعتادوا على أن تحملوا معكم على الدوام إنجيلاً صغيرًا في الجيب، أو في الحقيبة لكي تتمكنوا من قراءته خلال النهار. ثلاث، أو أربع آيات على الأقل. لنحمل الإنجيل معنا على الدوام.