موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
قام البابا فرنسيس، اليوم السبت، بزيارة راعويّة إلى مدينة فيرونا الإيطاليّة.
وكانت المحطة الأولى من الزيارة هي بازيليك القديس زينو، حيث التقى الكهنة والرهبان والراهبات، حيث سلّط في كلمته الضوء على نقطتين: الدعوة، والرسالة. وأشار إلى أن الأساس الأول للتكريس والخدمة هو قبول الدعوة التي نلناها. وإذا أضعنا هذا الإدراك فهناك خطر أن نضع أنفسنا في المركز وليس الرب، لافتًا إلى أنه حين تكون خبرة تذكُّر الدعوة الأولى متجذرة فينا بشكل كبير نستطيع أن نكون شجعانًا في الرسالة التي علينا القيام بها.
وأشار إلى أن الجرأة هي عطية تعرفها هذه الكنيسة جيدًا، لافتًا إلى الأثر الكبير الذي تركه العديد من الكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين في القرن التاسع عشر الذين نكرّمهم اليوم كقديسين وطوباويين، وهم شهود للإيمان عرفوا أن يجمعوا بين إعلان الكلمة والخدمة السخية والرحيمة إزاء المحتاجين، من خلال "ابداع اجتماعي" أدّى إلى نشأة مدارس للتعليم ومستشفيات ودور رعاية ودور للاستقبال، مشيرًا أيضًا إلى أهميّة الذهاب لملاقاة المعوزين والمهمشين والفقراء والاعتناء بجراحهم، وهو إيمان تمت ترجمته في جرأة الرسالة. وقال: إنّنا نحتاج اليوم إلى جرأة الشهادة والإعلان، وفرحِ إيمانٍ عاملٍ بالمحبة، مشددًا على حمل حنان رحمة الله للجميع.
وكان للبابا فرنسيس لقاء في فيرونا مع الأطفال والشبان الذين طرحوا عليه أسئلة تتعلق بالدعوة التي يوجهها الرب لنا، فضلا عن الطريقة التي ينبغي أن يكون فيها الأطفال اليوم علامة للسلام في العالم، كما سُئل البابا عما يجب أن يفعله الفتيان كي يحافظوا على الإيمان في الأوقات العصيبة.
وقال لهم: إنه عندما يكلمنا الرب يسوع هذا الأمر يجعلنا نشعر بالفرح في قلبنا. فالرب أرسل تلاميذه إلى العالم كله، وقال للرسل: اذهبوا إلى العالم كله وبشروا بالإنجيل. وهو يرسلنا جميعا اليوم لنبشر في العالم. وتساءل كيف نستطيع أن نكون اليوم علامة للسلام في عالمنا هذا الذي يعاني من الكثير من الحروب والصراعات المسلحة، في أوكرانيا والأرض المقدسة وأفريقيا وميانمار. وسأل البابا الفتيان والأطفال عما إذا كان يسوع قد بشر بالحرب أو بالسلام. وقال لهم: إذا ما تشاجرتم مع رفاقكم في المدرسة، فهذا يجعل منكم علامة للسلام؟ وشدد على ضرورة أن يكون كل واحد منا علامة لهذا السلام، من خلال المقاسمة والإصغاء للآخرين واللعب معهم، عوضا عن التشاجر. وطلب فرنسيس من الأطفال أن يكرروا هذه العبارات.
وردًا على سؤال بشأن الحفاظ على الإيمان في الأوقات العصيبة، وعدم الخوف من السير في عكس التيار، قال البابا كيف يمكننا أن نحافظ على الإيمان عندما يموت شخص عزيز على قلبنا، كأحد الأجداد أو الأب والأم. وطرح البابا بدوره على الأطفال السؤال بشأن السير في عكس التيار، فأجابه أحدهم أنه ينبغي أن نصغي إلى القلب، وقال آخر لا بد أن نتسلح بالشجاعة. فهنأهما البابا على الجوابين وطلب من الجميع ألا يخافوا من السير في عكس التيار إذا كانوا يسعون إلى ما هو جيد وصالح.
وفي أعقاب لقائه مع الأطفال والفتيان، توجه البابا فرنسيس إلى مدرّج فيرونا التاريخي حيث شارك في لقاء بعنوان "مدرّج السلام: العدالة والسلام سيتلاثمان"، نظمته جمعيات وحركات تعمل من أجل بناء السلام وإرساء أسس العدالة والاعتناء بالبيت المشترك.
وأجاب البابا على أسئلة طرحها عليه بعض المشاركين في اللقاء، وقال إنّ الإنجيل يدعونا للوقوف إلى جانب الصغار والضعفاء والمنسيين، مذكرًا بأنّ الرب يسوع نفسه هو من دعا إليه الصغار والمهمشين ووضعهم في المحور، وقدّمهم للآخرين كشهود لتغيير ضروري وممكن. وشدد في هذا السياق على أنه بغية وضع حد لكل شكل من أشكال الحروب والعنف لا بد من الوقوف إلى جانب الصغار واحترام كرامتهم البشرية والإصغاء إليهم والسعي إلى إسماع صوتهم. وقال إن هذا هو الارتداد الذي يبدل حياتنا وحياة العالم.
ثم تطرق البابا إلى التعب والإحباط السائدين في مجتمع اليوم وقال إنّ التحدي الأكبر الموجود أمامنا هو أن نسير في عكس التيار كي نعيد اكتشاف الإيقاع الطبيعي للحياة، وهذا الأمر يتطلب توفير الشروط الملائمة من حيث العلاقات والأماكن. وأكد أنه لا يتعين علينا الانطلاق من نقطة الصفر، لأننا نستطيع أن نجد كنوزاً من الحكمة والخبرة في الثقافات الأخرى.
كما تطرّق إلى التوترات والحروب، مشيرًا إلى أننا نفكر غالبًا أن الخروج من هذا الوضع يتطلب تجاهل المشاكل، بيد أن هذا الأمر يؤدي إلى تفاقم أوضاع الظلم ويولد الاستياء والإحباط، اللذين يمكن أن يُترجما إلى أعمال من العنف. ودعا البابا إلى الإقرار بوجود التوترات والصراعات التي هي جزء من الحياة شرط ألا يصل الأمر إلى حد العنف. وقال إنه يجب ألا نخاف من الاختلافات في الآراء وعلينا أن نوفق بينها.
وفي الختام، وجّه البابا فرنسيس للمشاركين في اللقاء كلمة قال فيها إنّ العالم يحتاج إلى التطلع إلى النساء لإيجاد السلام. وشهادات النساء، اللواتي يبنين الجسور بشجاعة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تؤكد ذلك. وعبّر قداسته عن القناعة بأن مستقبل البشرية ليس فقط في أيدي القادة العظماء والقوى العظمى والنخب، بل هو في أيدي الشعب قبل كل شيء.
وتوجه البابا إلى الأشخاص الذين يعملون على نسج الحوار في الأرض المقدسة قائلا لهم: اطلبوا من قادة العالم أن يصغوا إلى صوتكم، وأن يشركوكم في عمليات التفاوض، حتى تولد الاتفاقات من الواقع وليس من الإيديولوجيات. وخلص إلى القول: إنّ السلام لن يكون أبدًا نتيجة لانعدام الثقة والجدران والأسلحة الموجهة ضد الآخرين. دعونا لا نزرع الموت والدمار والخوف. دعونا نزرع الأمل.
المرحلة التالية كانت لقاء البابا فرنسيس بالسجناء في سجن مونتوريو.
وجاء في كلمة قداسته: "بالنسبة لي، يعد دخول السجن دائمًا لحظة مهمة، لأن السجن هو مكان إنسانية عظيمة. بشرية ممتحنة، ترهقها أحيانًا الصعوبات، والشعور بالذنب، والأحكام، وسوء الفهم والألم، ولكنها في الوقت عينه مليئة بالقوة، والرغبة في المغفرة، والرغبة في الفداء. وفي هذه البشرية، هنا، فيكم جميعًا، فينا جميعًا، يحضر وجه المسيح اليوم، وجه إله الرحمة والمغفرة ولا تنسوا هذا: الله يغفر كل شيء ويغفر دائمًا، وبهذه الإنسانية هنا، وفيكم جميعًا، وهذا الشعور بالنظر إلى إله الرحمة".
ودعا قداسته السجناء "إلى عدم الاستسلام للإحباط. فالحياة تستحق العيش على، وهناك دائمًا رجاء في المستقبل، حتى عندما يبدو أن كل شيء على وشك أن ينطفئ. إن حياتنا، حياة كل واحد منا، هي مهمة، وهي عطيّة فريدة لنا وللآخرين، وللجميع، ولاسيما لله، الذي لا يتركنا أبدًا، والذي يعرف حقًا كيف يصغي إلينا ويفرح ويبكي معنا ويغفر دائمًا"، مشيرًا إلى أنّ اليوبيل المقبل يدعونا إلى الارتداد والتجدّد والتحرّر، "نتخلى فيها عن أعباء الماضي ونجدد الدفع نحو المستقبل؛ ونحتفل فيها بإمكانية التغيير، لكي نكون، وعند الضرورة، نعود لنكون أنفسنا حقًا، ونقدم أفضل ما لدينا".
هذا وقد ترأس البابا فرنسيس قداسًا إلهيًا في ختام زيارته الراعويّة إلى فيرونا.
وكان الروح القدس ونعمة أن نناله محور عظته، حيث شدّد على مركزية الروح القدس في حياتنا، فهو الذي يسير بنا إلى الأمام ويساعدنا على السير قدمًا ويمَكننا من عيش الحياة المسيحية، داعيًا في هذا الشأن إلى الإصغاء للروح القدس.
كما لفت إلى أنّ الروح القدس يهب الشجاعة لعيش الحياة المسيحية، والشجاعة لتغيير حياتنا، كما أنّه هو مَن ينقذنا من "خطر التجانس"، مشدّدًا قداسته بالتالي على حاجتنا جميعًا إلى التناغم في نفوسنا وعائلاتنا، مدننا ومجتمعاتنا وعملنا، مشيرًا إلى أن نقيض التناغم هو الحرب والقتال أحدنا ضد الآخر، وهذا ليس من صنع الروح القدس.