موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٣
البابا فرنسيس يشيد بإيمان وصلاة ولطف سلفه بندكتس السادس عشر

فاتيكان نيوز وأبونا :

 

ترأس البابا فرنسيس، عصر السبت، صلاة الغروب في بازيليك القديس بطرس، عشية عيد القديسة مريم والدة الله.

 

وفي عظته، استذكر فرنسيس سلفه بندكتس السادس عشر الذي توفي في وقت مبكر من الصباح، مستذكرًا لطفه العظيم وشهادته بالإيمان والصلاة. وقال: بتأثّرٍ نتذكر شخصه النبيل واللطيف. ونشعر بامتنان كبير في قلوبنا: امتنان لله لأنه أعطاه للكنيسة وللعالم. وامتنان له على كل الخير الذي فعله، ولاسيما على شهادته بالإيمان والصلاة، خاصة في هذه السنوات الأخيرة من حياته التي أمضاها في الخلوة. وحده الله يعرف قيمة وقوة شفاعته وتضحياته التي قدمها من أجل خير الكنيسة".

 

 

عظة صلاة الغروب

 

 

وألقى البابا فرنسيس عظة تمحورت حول كلمة اللطف.

 

وقال: عندما في ملء الزمان صار الله إنسانًا، لم ينقضّ من السماء إلى العالم؛ بل ولد من مريم. لم يولد في امرأة بل من امرأة. إنّ الأمر مختلف جوهريًا: إنه يعني أن الله أراد أن يأخذ جسدًا منها. هو لم يستخدمها، بل طلب موافقتها بـ"نعم". وبدأ معها المسيرة البطيئة لحمل بشريّة خالية من الخطيئة ومليئة بالنعمة والحق، مليئة بالحب والأمانة. بشرية جميلة وصالحة وحقيقية، على صورة الله ومثاله، ولكنها منسوجة بجسدنا الذي قدمته مريم؛ أبدًا بدونها ودائمًا بموافقتها؛ في الحرية، في المجانيّة، في الاحترام، في الحب.

 

أضاف: هذا هو الدرب الذي اختاره الله لكي يدخل إلى العالم والتاريخ، هذه هي الطريقة. وهذه الطريقة هي جوهريّة، بقدر ما هي جوهرية حقيقة مجيئه. إن أمومة مريم الإلهيّة -أمومة بتوليّة، وبتولية خصبة- هي الدرب التي تكشف عن احترام الله الشديد لحريتنا. فهو الذي خلقنا بدوننا لا يريد أن يخلصنا بدوننا. إنّ أسلوبه هذا بالمجيء لكي يخلصنا هو الدرب الذي يدعونا لكي نتبعه عليه لكي نواصل معه نسج بشريّة جديدة وحرّة ومُصالحة. إنه أسلوب وطريقة للتواصل معنا تنبثق منه الفضائل البشريّة المتعددة لتعايش صالح وكريم. وإحدى هذه الفضائل هي اللطف كأسلوب حياة يعزّز الأخوّة والصداقة الاجتماعيّة.

 

وبالحديث عن اللطف، تابع البابا فرنسيس يقول، يتوجّه الفكر في هذه اللحظة تلقائيًا إلى العزيز البابا الفخري بندكتس السادس عشر، الذي غادرنا هذا الصباح. بتأثُّرٍ نتذكر شخصه النبيل واللطيف. ونشعر بامتنان كبير في قلوبنا: امتنان لله لأنه أعطاه للكنيسة وللعالم. وامتنان له على كل الخير الذي فعله، ولاسيما على شهادته بالإيمان والصلاة، خاصة في هذه السنوات الأخيرة من حياته التي أمضاها في الخلوة. وحده الله يعرف قيمة وقوة شفاعته وتضحياته التي قدمها من أجل خير الكنيسة.

 

كما تأمل البابا في اللطف كفضيلة مدنيّة. وقال: إنّ اللطف هو عامل مهم في ثقافة الحوار، والحوار لا غنى عنه لكي نعيش بسلام، كإخوة وأخوات لا يتفقون على الدوام، وهذا أمر طبيعي، ولكنهم مع ذلك يتحدثون مع بعضهم البعض، ويصغون إلى بعضهم البعض ويحاولون أن يفهموا بعضهم البعض. لنفكر فقط في كيف سيكون العالم بدون الحوار الصبور للعديد من الأشخاص الأسخياء الذين حافظوا على عائلات وجماعات متحدة. إنّ الحوار المثابر والشجاع لا يشكل خبرًا مثل الصدامات والنزاعات، ولكنه يساعد العالم بشكل سرّي على أن يعيش بشكل أفضل". إذن، اللطف هو جزء من الحوار. ولكنه ليس مجرد مسألة "آداب". إنه ليس مسألة "حسن سلوك"، أو أخلاق حميدة... لا، ليس هذا ما نعنيه هنا عندما نتحدث عن اللطف. وإنما يتعلق الأمر بفضيلة علينا أن نستعيدها ونمارسها كل يوم، لكي نسير عكس التيار ونؤنسن مجتمعاتنا.

 

وأشار البابا فرنسيس إلى أن أضرار النزعة الفردية الاستهلاكية هي تحت أعين الجميع. والضرر الأكثر خطورة هو أن الآخرين، الأشخاص الذين يحيطون بنا، يُنظر إليهم كحواجز أمام هدوءنا وراحتنا. "يضايقنا" الآخرون، ويزعجوننا، ويأخذون منا الوقت والموارد لكي نفعل ما يحلو لنا. إن المجتمع الفردي والاستهلاكي يميل إلى أن يكون عدوانيًا، لأن الآخرين هم متبارين علينا أن نتنافس معهم. ومع ذلك، في مجتمعاتنا هذه بالتحديد، في أصعب المواقف أيضًا، هناك أشخاص يظهرون كيف أنه لا يزال من الممكن اختيار اللطف، وهكذا، يصبحون بأسلوب حياتهم، نجومًا في وسط الظلام.

 

أضاف: يتحدث القديس بولس، في الرسالة إلى أهل غلاطية التي أُخذت منها قراءة هذه الليتورجيا، عن ثمار الروح القدس، ومن بينها يذكر ثمرة بالكلمة اليونانية chrestotes وهذا ما يمكننا أن نفهمه بكلمة "لطف": موقف محب، يعضد ويعزّي الآخرين متجنِّبًا أي صرامة وقسوة. أسلوب لمعاملة الآخرين مع الحرص على عدم جرحهم بالكلمات أو التصرفات؛ ساعين لتخفيف الأعباء عن الآخرين، وتشجيعهم، وتعزيتهم؛ بدون أي إذلال أو إهانة أو احتقار. إن اللطف هو ترياق ضد بعض أمراض مجتمعاتنا: ضد القسوة، التي للأسف يمكنها أن تتسلل مثل السم إلى القلب وتسمم العلاقات؛ ضد القلق والجنون المشتت اللذين يجعلاننا نركز على أنفسنا ويغلقاننا عن الآخرين. إن أمراض حياتنا اليومية هذه تجعلنا عدوانيين وغير قادرين على طلب "الإذن" أو "المعذرة" أو أن نقول ببساطة "شكرًا". وهكذا، عندما نلتقي بشخص لطيف في الشارع، أو في متجر، أو في مكتب، نشعر بالدهشة، ويبدو لنا وكأنها معجزة صغيرة، لأن اللطف لم يعد شائعًا للأسف. ومع ذلك، الحمد لله، لا يزال هناك أشخاص طيبون يعرفون كيف يضعون همومهم جانبًا لكي يتنبّهوا للآخرين، ويقدموا لهم ابتسامة، وكلمة تشجيع، ولكي يصغوا إلى شخص يحتاج لأن يثق بأحدٍ وينفِّس عن نفسه.

 

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول: أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أعتقد أن استعادة اللطف كفضيلة شخصية ومدنية يمكنها أن تساعد بشكل كبير في تحسين الحياة في العائلات والجماعات والمدن. لهذا السبب، وبالنظر إلى العام الجديد لمدينة روما، أود أن أتمنى لنا جميعًا نحن الذين نقيم فيها أن ننمو في هذه الفضيلة: اللطف. تعلمنا الخبرة أنه إذا أصبح اللطف أسلوب حياة، يمكنه أن يخلق تعايشًا سليمًا، ويمكنه أن يؤنسن العلاقات الاجتماعية عن طريق حلِّ العدوانية واللامبالاة. لننظر إلى أيقونة العذراء مريم، اليوم وغدًا، هنا في بازيليك القديس بطرس، يمكننا أيضًا أن نكرِّمها في تمثال سيّدة الكرمل في أفيليانو، بالقرب من بوتينزا. لا نأخذنَّ سر الأمومة الإلهية كأمر مُسلَّم به! ولنسمح بأن يدهشنا خيار الله، الذي كان يمكنه أن يظهر في العالم بألف طريقة مُظهرًا قوته، ولكنه أراد أن يُحمل به بحرية في حشا مريم، وأراد أن يتكوّن لمدة تسعة أشهر مثل أي طفل، وأخيراً أن يولد منها، أن يولد من امرأة. لا نعبرنَّ بسرعة، وإنما لنتوقف لكي نُعجَب ونتأمّل، لأننا نجد هنا سمة أساسية من سمات سر الخلاص. ولنحاول أن نتعلم "أسلوب" الله، واحترامه اللامتناهي، وإذا جاز التعبير "لطفه"، لأنه في الأمومة الإلهية لمريم العذراء نجد الدرب إلى عالم أكثر إنسانية.