موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
إدمان في إدمان. إدمان الكحول أو المخدّرات أو التدخين أو السكر أو الشوكولاتة أو التسوّق أو الهاتف وغيره كثير... ويعنينا إلقاء الضوء على إدمان العمل فهو مشكلة نفسيّة واجتماعيّة معًا. يُعرِّف قاموس علم النفس هذا الإدمان أنّه العمل بشكل إلزامي وأيضًا بشكل مضنٍ، يستنزف فيه المدمن كلّ قوى طاقاته الجسديّة والنفسيّة، ضاربًا عرض الحائط التّوازن ما بين العمل والراحة، ويتخطّى المدمن للعمل جميع الأعراف والحدود لإهدار حالته الصحيّة، ويمارس عمليّة الانتحار البطيء من غير وعي وعن غير قصد. ولا يستمع لنصائح المقرّبين إليه في الإعتناء بصحّته وتخفيف ساعات العمل، إذ يشعر بالذنب عندما لا يعمل، ويستهجن الجلوس والاسترخاء وكأنّه عيب أو حرام أو جريمة.
أنت مدمن عمل إن كنتَ "تحمل السلّم بالعرض" ولا تحدّد ساعات عملك، تعمل ليل نهار سبعة أيام في الأسبوع، متغافلاً عطلة نهاية الأسبوع. كما أنّ مواعيد الوجبات الغذائيّة تتغيّر طبقًا لظروف العمل، بدل تنظيم برامج العمل بناءً على مواعيد الوجبات. الهاتف يستقبل المكالمات بشكل دائم حتى في أثناء القيادة، ويوضع بقرب السرير في غرفة النوم، إذ أنّ كلّ مكالمة ضروريّة لا غنى عنها، حسب تصوّر المدمن. وتستمرّ المكالمات الهاتفيّة في أثناء السفر بفلان وعلاّن، ولا مانع لديك من سهرات العمل وإلقاء محاضرات في ساعات متأخرة من الليل بدل النوم. حتى ساعات نومك لا تُريحك لأن العقل الباطن يعمل لديك لحلّ قضايا العمل.
أنت مدمن عمل إن كنت تسافر فيما يسمّى بالإجازة السنويّة من أجل ممارسة أعمالك في الخارج. تشعر بالتعب عندما لا يكون لديك أي عمل وتجد صعوبة في الاسترخاء لذلك لا تحدّد أوقاتًا معيّنة للعمل، فيشكو الأهل والأقارب من انشغالك عنهم، حتى أنك تعمل في أثناء الأكل، أو تردّ على المكالمات الهاتفية، أو تفكّر في قضايا العمل أو تستمع إلى نشرة الأنباء، ولا مانع لديك أحيانًا من مشاهدة برامج التلفاز. ممّا يزيد الطين بلّة التهامك الأكل بسرعة من غير أن تستمتع بالطعام وتتذوّقه على مهل، فلا يستغرق ذلك أكثر من عشر دقائق، فالوقت من ذهب وتحديد نصف ساعة للوجبة في رأيك مبالغ فيه.
تعمل في كلّ مكان، وحجم مسؤولياتك كبير ولا يمكن التقليل منه بل الأفضل الإضافة عليه، ودائمًا الوقت غير كاف لإنجاز كلّ ما يجب إنجازه. اهتماماتك خارج العمل قليلة؟ والعمل أهمّ بكثير من أيّ شيء آخر في الحياة - مثل الحياة العائليّة أو الاجتماعية أو الاهتمامات الصحية، لذلك تعاني من مشاكل صحية أكثر من غيرك نتيجة الضغوطات وإهمالك للياقة البدنية والتمارين الرياضيّة أو المشي على الأقلّ.
في دراسات "إدارة الأعمال" الجامعيّة، المدير الإداري الناجح هو الذي يوزّع الأعمال على الموظّفين ولا يكدّسها ليُنجزها بنفسه، بخلاف مدمن العمل الذي يعمل ويعمل، حتّى أن معارفه والزملاء يستغلّون ولعه بالإنجازات و"يحرثون عليه" ويطلبون منه إنجاز أعمالهم فيقوم بها، وهم يبيّضون وجوههم أمام المسؤولين، فيقوم بعمل أمين السرّ وأمين الصندوق والصحافي وكاتب المقال، حتّى التدريس أو رعاية الأطفال!
الطاقه المفرطة التي يشعر بها مدمن العمل ينبغي أن يوجّه بعضها لمجالات أخرى خاصة الصحة والتمارين الرياضية، من أجل تحقيق التوازن ما بين العمل والحياة وأن يطلب من المقرّبين إليه تنظيم جدول أعماله وأوقات راحته، كي يسمح لنفسه بأوقات للاسترخاء. ينسى المدمن أنّ جسده أمانة من لدنه تعالى وأنّه سيحاسب على مدى رعايته لصحته وأنّ "لبدنه عليه حقًّا"... ويجب ألاّ يتسرّع في قبول أعمال غيره بل يجب أن يتروّى قائلاً: "سوف أنظر في جدول أعمالي وبناءً عليه أقرّر". والأهمّ من ذلك مخالفة مدمن الإنجازات لوصيّة الله: "لا تقتل" في حالة استمراره للعمل من غير تغيير جذري فهو ينتحر بشكل تدريجيّ.
خاتمة
وأخيرًا وليس آخر الكلّ شأنًا "ألستم تعلمون أنّ أجسادكم هيكل روح القدس وأنّكم لستم لأنفسكم" (1 قور 19:6)... ما هذه الكرامة التي يسبغها الله على الإنسان؟! وعلى الإنسان بدوره الاّ يستخفّ بهذه النعمة والأمانة فيصون جسده من شتّى أنواع الإدمان كي "يمجّد الله في جسده" (1 قور 6: 20). وصدق المثل الشعبي "صحتك في الدنيا"!