موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر السبت، ١٣ مارس / آذار ٢٠٢١
أنطون سابيلا، يكتب: ماذا تعلمنا من زيارة البابا فرنسيس للعراق؟
أنطون زكريا سابيلا - كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في استراليا

أنطون زكريا سابيلا - كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في استراليا

أنطون سابيلا :

 

كانت الكلمة الشائعة بعد أن أنهى البابا فرنسيس زيارته للعراق إنها كانت زيارة "تاريخية". وهذا صحيح في جزء من الزيارة لكن في المقابل كانت زيارة مليئة بالدروس للجميع.

 

الدرس الأهم أنه لا يمكن القضاء على الآخر بالعنف الجسدي.

 

وعلمنا من الزيارة أن القيادة والشعب العراقي يتمتعون الآن بنضوج رائع ونظرة مستقبلية واعدة حيث لم يخجل رئيس الوزراء العراقي ورئيس الجمهورية من القول إنه كان هناك اضطهاد وتشريد منهجي من التنظيمات المتطرفة للمسيحيين واليزيدين والصابئة والأقليات الدينية الأخرى. كما أن التعليقات العراقية في وسائل التواصل الاجتماعي كانت إيجابية من كافة الأطياف الدينية والقومية العراقية مما أثار إعجاب العالم. وفي المقابل كانت التعليقات في بعض الدول العربية معيبة حتى أن أحد المعلقين المسلمين من الطائفة السنية الكريمة في العراق رد قائلاً: كل إنسان عليه الاهتمام بوطنه ونحن تعلمنا دروساً قاسية وها قد جاء الوقت لكي نمحو سلبيات الماضي ونمضي قدماً في طريق أخوة مشرق لأجيالنا القادمة".

 

حاول هتلر تصفية اليهود لكنه فشل فشلاً ذريعاً وطردت إسبانيا المسلمين واليهود لكن ألمانيا وإسبانيا تحولتا من دول عظمى إلى دول فقيرة وضعيفة لفترة طويلة قبل أن تستعيدا العافية بسبب خسارة العلماء والمثقفين والخبراء اليهود والمسلمين. واليوم تستقبل ألمانيا وإسبانيا المهاجرين من جميع الخلفيات الدينية والقومية وترحب بهم.

 

وحاول تنظيم داعش بدعم من اطراف عربية تدعي "الاعتدال" تهجير المسيحيين من الشرق الأوسط فإذا بالمهاجرين المسلمين يفوقون المهاجرين المسيحيين عشرات المرات لأن الإنسان الفاضل لا يستطيع أن يعيش في مجتمع ظالم ولأن هذا الإنسان ربما لحق بأقرانه المسيحيين لأنهم جزء مهم من طفولته وذكرياته وأخوته. كما أن تفريغ الدول العربية من الكفاءات المسيحية يعود بالضرر الكبير عليها كما ألمح قداسته في العراق.

 

في كتابه "القدس" لليهودي من أصل سوري سيمون صباغ كتب يقول: قبل سنوات من عام 1948 كان المرضى اليهود يذهبون إلى الأطباء المسيحيين الفلسطينيين في الحي المسيحي لتلقي العلاج بسبب شهرتهم وبراعتهم في تشخيص وعلاج الأمراض، وفي مطلع القرن العشرين كان اليهود العرب في القدس يطلبون من المهندسين المسيحيين الفلسطينيين تصميم منازلهم.

 

ولأن العالم ادرك خطورة التطهير الديني تكاتف وهزم داعش و"هزم" الدول "المعتدلة" في المنطقة بطريقة ذكية.

 

البابا فرنسيس جاء إلى العراق ومعه الرسائل التالية:

 

1. جميع الناس أخوة بغض النظر عن الديانة أو القومية،  والتنوّع الديني والثقافي ثروة لا تُقدر بثمن للأوطان.

 

2. ليس هناك فرح من الانتصار بالحرب حتى ولو كان على داعش التي ذبحت المسيحيين ودمرت كنائسهم وهجّرت الملايين منهم من العراق وسورية ومصر ودولا أخرى ينتشر فيها الفكر الداعشي وممارسته "الخفية" بشكل لا يدعو للشك. ذلك لأن لكل إنسان أهله وأحبائه ويجب عدم أخذ البريء بجريرة المذنب. ولهذا كان البابا حزيناً وليس غاضباً لأن الرحمة الإنسانية لا تعرف حدود. وهذا هو درس الرحمة الكبير.

 

3. الحياة على الأرض للجميع وحتى للخاطئين لأن الله غفور رحيم.

 

4. الزيارة في زمن كورونا تعني التحدي للوباء بشكل مدروس وأن رأس الكنيسة الكاثوليكية يعامل جميع رعاياه بالمحبة الواحدة بغض النظرعن تعدادهم السكاني.

 

5. البابا أراد من زيارته أن يؤكد للمسيحيين والمسلمين أن هناك أملا في مستقبل أفضل للعلاقات المسيحية-الإسلامية والعلاقات المسيحية-المسيحية في العالم.

 

ولعل افضل ما يقال عن هذه الزيارة أنها جمعت قلوب العراقيين من جميع أطيافهم الدينية والقومية والأثنية وزرعت الفخر فيهم بأن أهم شخصية دينية في العالم جاءت إلى وطنهم حيث توافدت وسائل الإعلام الدولية لتغطي الزيارة ووجدت في العراق دولة حضارية وليس فقط دولة شهدت القتل والمتفجرات.  عشرات الآلاف من الوسائل الإعلامية الإلكترونية بأنواعها غطت الزيارة وامتدحت العراق وشعبه.

 

ولكن الدرس الكبير من الزيارة أن الأغلبية الساحقة من المواطنين العرب المسلمين والمسيحيين يعيشون بمحبة مع بعضهم البعض باستثناء أقلية من أعضاء التنظيمات المتطرفة التي لديها أجندة سياسية أكثر منها دينية. وقد سقط شهداء مسلمون كثيرون من السنة والشيعة في العراق وسورية دفاعًا عن الأقليات الدينية كما سقط شهداء مسيحيون في سورية دفاعاُ عن المساجد في دمشق وغيرها وخاصة المسجد الأموي الشهير.

 

وفي كلمته في الموصل قال قداسته: "يا لها من قسوة أن هذا البلد، مهد الحضارة، كان يجب أن يتعرض لضربة بربرية كهذه، مع تدمير أماكن العبادة القديمة". وأضاف إن آلاف المسلمين والمسيحيين واليزيدين "أبيدوا بوحشية على يد الإرهاب، وتشرد آخرون قسراً أو قُتلوا".

 

واعتقد جازمًا أن قداسته يطمح في زيارة سورية ولبنان ربما في العام القادم إن شاء الله. والحقيقة الأبدية أن الأخوة الإنسانية هي الطريق لسعادة ورفاهية البشرية، لأننا نحن كلنا بالأصل أخوة!