موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
"لا بد من السير قدمًا في الحياة وإذا سقط الإنسان فهو يحتاج إلى المساعدة كي ينهض، وهذا هو تمرين مستمر لأنه لا يوجد شيء مجاني في العالم باستثناء محبة يسوع". بهذه الكلمات توجه البابا فرنسيس إلى حوالي مليون ونصف مليون شاب وشابة غصت بهم حديقة تيجو في لشبونة.
وباشر الشبّان بالتوافد إلى الحديقة بدءًا من ساعات صباح السبت الأولى، كي يشاركوا في أمسية الصلاة عشية ختام اليوم العالمي للشبيبة السابع والثلاثين، والتي كانت المحطة ما قبل الأخير من أسبوع حافل بالنشاطات على التراب البرتغالي. ومن بينهم من وصلوا إلى الحديقة بعد مسيرة طويلة اجتازوا خلالها ثمانية أو عشرة كيلومترات سيرًا على الأقدام.
خطاب البابا إلى الشبان أخذ شكل حوار، فطرح قداسته على الحاضرين أسئلة اقتضت منهم الأجوبة. وقد شرح الحبر الأعظم المعنى العميق للعمل الذي قامت به مريم، التي نهضت وتوجهت مسرعة عند نسيبتها أليصابات، مع أنها كانت قد تلقت للتو بشارة الملاك. ولفت إلى أن العذراء، وعوضًا عن التكفير بنفسها، فكرت بالشخص الآخر، فكرت بنسيبتها لأن الفرح هو إرسالي، ليس خاصًا بنا بل يهدف إلى حمل شيء ما للآخرين.
وتوقّف البابا عند هذه الفكرة أكثر من مرة طالبًا من الشبان أن يكرروا القول إنهم عازمون على حمل الفرح للآخرين، متذكرين أن الآخرين أيضًا جهّزونا كي نناله. إنهم الأشخاص الذين حملوا النور إلى حياتنا: الوالدون، الأجداد، الأصدقاء، الكهنة، الرهبان، معلمو الدين، والمدرسين. وطلب البابا من الحاضرين أن يقفوا دقيقة صمت يتذكرون خلالها هؤلاء الأشخاص. وقال إن هؤلاء هم جذور الفرح، لأن الفرح الواجب نقله لا ينبغي أن يكون عابرًا أو موقتًا، بل يجب أن يمد الجذور، وهذا الأمر لا يتحقق داخل جدران المكتبة إذ لا بد من السعي إليه واكتشافه في الحوار مع الآخرين.
بعدها سأل البابا الشبان والشابات المشاركين في أمسية الصلاة ما إذا كانوا قد شعروا بالتعب في بعض الأحيان، وقال إن الإنسان قد يشعر أحيانًا بالرغبة في الاستسلام والتوقف عن السير قدماً، ويسقط أرضا. بيد أن الفشل في الحياة ليس النهاية. من المهم ألا يبقى الإنسان أرضًا، وألا يقفل الباب أمام الأمل في الحياة. وفي هذه الحالة ينبغي أن يُساعد الشخص الذي سقط كي يتمكن من النهوض. وهي جملة كررها البابا أكثر من مرة وطلب من الحاضرين أن يتأملوا فيها وسط التصفيق. وقال: إنّ الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ننظر فيها إلى شخص ما من الأعلى إلى الأسفل، هي عندما نساعده على النهوض.
ولفت إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى التمرين، تمامًا كلاعب الكرة التي يتمرن على تسديد الأهداف. وقال: لا توجد دورات دراسية تعلمنا السير في الحياة. إننا نتعلم ذلك من والدينا، من أجدادنا وأصدقائنا الذين يمسكون بيدنا. من هنا دعا قداسته الحاضرين إلى وضع هدف لمسيرتهم، وإلى التمرين كل يوم من أيام حياتهم، لأنه لا يوجد شيء مجاني، فلكل شيء ثمنه، باستثناء محبة يسوع، التي هي مجانية. من هذا المنطلق شجّع البابا فرنسيس الشبان والشابات على السير قدمًا والنظر إلى الجذور بلا خوف.
القسم الأول من أمسية الصلاة بدأ بعرض موسيقي ولوحات راقصة روت قصة شابة تركت الله يحاكيها، وقد بدل هذا الاختبار حياتها، وترك أثرًا لدى جميع الأشخاص الذين التقت بهم. وهذه الرواية تشبه إلى حد بعيد ما حصل مع مريم العذراء التي قالت "نعم" لدعوة الله لها، وهي تلهمنا اليوم على فعل الشيء نفسه، وعلى أن نهب أنفسنا بالكامل للرب وأن نضع حياتنا كلها بين يديه، متخلّين عن مشاريعنا الخاصة، كي نصبح أدواته في تاريخ محبته تجاه كل واحد منا.
وتخللت العرض الفني شهادتان إحداهما لكاهن تحدث عن التزامه في حمل الفرح للآخرين ومساعدتهم على إيجاد المسيح، وروى أنه تعرض لحادث سير خطير نجا منه بأعجوبة وجعله يدرك المعنى العميق للحياة، فأصبح كاهنًا. أما الشهادة الثانية فكانت لشابة جاءت من الموزمبيق، من منطقة كابو ديل غادو، التي تشكل منذ خمس سنوات مسرحًا لأعمال عنف تمارسها مجموعات مسلحة متطرفة. وقالت إنها بعد أن فقدت والدها اضطرت للهرب من الإرهابيين مع والدتها وشقيقاتها الثلاث، وقد صلين كثيرًا، ولم يفقدن الإيمان، وطلبن من الله أن يساعدهن على إلغاء الشر من العالم وصلين كي يتبدل الأشخاص المسؤولون عن هذه الحرب. وختمت بالقول: إننا، وعلى الرغم من الآلام الكثيرة، لم نفقد قط الأمل بأننا سنتمكن يوماً ما من بناء حياتنا مجددا.