موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٣١ يوليو / تموز ٢٠٢٢
من علماء الكهنة الكاثوليك: الأب خوسيه ماريا ألجيه
مرصد الفاتيكان الفلكي في كاستل غاندولفو

مرصد الفاتيكان الفلكي في كاستل غاندولفو

أشخين ديمرجيان :

 

تقف الكلمات عاجزة لدى صياغتها، ولا أعرف كيف يمكن للكلمات أن تعبّر، عمّا يجول في نفسي، عرفانًا منّي للجميل، بما بذلته وتبذله الكنيسة الكاثوليكية بكهنتها الأفاضل، في سبيل رقيّ الإنسانية جمعاء. من أجل ذلك، فكّرت في إكمال دراسات وبحوث، بدأها غيري من قبل في الغرب، كي أعطي صورة واضحة عن مسيرة الكهنة الكاثوليك في التقدّم العلمي والثقافي والفنّي والأدبي والمعماري، ناهيك عن الخدمة الروحانيّة التي هي أوّل ثمار الكهنوت البديهيّة، بلا إنكار للنقائص والعيوب والتقصير عبر التاريخ.

 

يقول الكاتب ريبلي: "ما من لغة بشرية بإمكانها أن تصف الفوائد الإنسانية التي قدّمها الكهنة الكاثوليك (الإكليروس) إلى البشرية". ويستطرد الكاتب: "حتى في المجال الدنيوي، كان لهم أكبر نفوذ حضاري عبر التاريخ كلّه. كانت الكنيسة الكاثوليكية هي الرائدة في كلّ قرن، وفي كلّ ميدان من الميادين الثقافية...".

 

قد يبدو هذا الإعلان غريبًا ومغلوطًا لسببين صريحين: أوّلاً إغفال كتب التاريخ المدرسيّة، خصوصًا في الغرب، لكلّ تلك الأفضال والفضائل. ثانيًا تركيزها في الغرب، مع الموسوعات والرأي العام، على السلبيّات من ذلك التاريخ الكنسيّ الطويل. فلا عجب أن يستغرب القرّاء الكرام من هذا الطرح الذي يتوخّى الإنصاف من جهة، وتبيان الواقع من جهة ثانية، وإيراد ما طواه النسيان، أو أغفلته جهات غربيّة معنيّة بالتمويه، (من أجل غرضٍ في نفس يعقوب)، أو نسيه مفكّرون ذوو نيّات حسنة أو معلومات ناقصة.

 

يُعطي ربلي لائحة غير وافية عن الكهنة الكاثوليك والعلماء والأدباء منهم، حتّى مشارف القرن التاسع عشر، ومنهم:
 

الأب خوسيه (يوسف) ماريا ألجيه Jose Algue (1856-1930)

 

كاهن يسوعي من مواليد إسبانيا. كان عالمًا مشهورًا على الصعيد الدوليّ، وخبيرًا في الأرصاد الجوّيّة، ومخترعًا لثلاثة أجهزة: جهازًا للكشف المبكّر عن الإعصار barocyclonometer. كما اخترع جهاز "النيفوسكوب" nephoscope لقياس ارتفاع السحب واتجاهها وسرعتها، وجهازًا آخر لقياس الزلازل. كان عضوًا في بعثة الكهنة اليسوعيّين إلى الفلبّين. عمل مديرًا لـ"مرصد مانيلاّ"، وقد أسس أوّل مكتب "للأرصاد الجوّيّة الفلبينية" خلال الحرب الأمريكية الفليبينية. تلقّى تعليمه في المدارس الإسبانية، والتحق بالرهبنة اليسوعية سنة 1871. تابع دراسته في العلوم الإنسانية لمدّة سبع سنوات. وانتقل إلى فرنسا لدراسة الفلسفة، ثمّ أكمل دراسته اللاهوتيّة. بعد ذلك تخصّص في الرياضيات واللغات. سنة 1891 التحق بجامعة جورج تاون في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. وبدأت حياته المهنيّة في "مرصد مانيلاّ".

 

مع العلاّمة الشهير الأب فاورا

 

تغيّرت حياته بشكل جذريّ عندما التقى بالأب فاورا عام 1889. ورافقه إلى إيطاليا وفرنسا لاقتناء المعدّات العلميّة اللازمة لتأسيس "مرصد مانيلاّ" الشهير. ويبدو أنّ العناية الإلهيّة أرادت توجّه الأب ألجيه إلى الحياة العلميّة في المناطق المداريّة. وتحقيقًا لهذه الغاية، أكمل دراساته المتقدّمة في الأرصاد الجوية وعلم الزلازل وعلم الفلك، في جامعة جورج تاون في واشنطن، جنبًا إلى جنب مع معلّمه الأب فاورا.  وفي المعارض والمؤتمرات الدوليّة مثّل هذا الثنائي أمريكا وإسبانيا والفلبين. وعلّق الأب "دبرمان" على أبحاث الأب فاورا بقوله: "ملاحظات فاورا الدقيقة وتعليقاته تُظهر براعته، خاصة أنّه قد سبق النرويجيين بأفكاره في مجال الأرصاد الجوية بنحو أربعين عامًا".

 

الحياة المهنيّة في الفلبين سنة 1894

 

أثمر تعاون ألجيه وفاورا العلمي بسرعة. وتركّزت دراسة الأب ألجيه الموسّعة الأولى على الأعاصير المدمّرة. ونُشرت له دراسات رائدة عن المناخ والعواصف في الفلبين، وشكّلت مَعلمًا علميًّا. وكانت الدراسة مفيدة جدًا للملاّحين، لدرجة أنّهم قاموا بنشرها بالإنكليزية بعنوان: "الأعاصير في الشرق الأقصى". وله عدّة مؤلّفات تتناول المناخ في الفلبّين والأعاصير. في عام 1897 طوّر جهاز الكشف عن الإعصار الذي اخترعه الأب فاورا، وصار بالإمكان التنبّؤ عن العواصف في الفلبّين وآسيا، ممّا أفاد جميع البحّارة في الشرق.

 

-يتبع-