موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر السبت، ٣٠ يناير / كانون الثاني ٢٠١٦
لا كرامة لنبي في وطنه

الأب رائد أبوساحلية :

وذهب قوله مثلاً وهذا بالفعل ما حدث مع يسوع في الناصرة مدينته وبالذات في المجمع وبالخصوص من أهله ومعارفه، وهذا أمرٌ طبيعي لأنهم يعرفونه ويعرفون أصله وفصله «أَلَيْسَ هَذَا ابْنَ يُوسُفَ؟» رغم أنهم كانوا يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ. فما هي أسباب الرفض؟

هذا هو سبب الاستغراب لا بل الرفض أن يسوع يأتي بكلام نعمة لم يتعودوا عليه فانهم ينظرون اليه بمنظار بشري على انه ابن يوسف وأنه النجار ابن النجار وأنه أمه مريم.

أما السبب الثاني فانه يتجاسر لا بل يدَّعي بأن الكلمات التي قرأها من سفر أشعيا النبي عن المسيح المنتظر قد تمت اليوم: «إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ». أي أنه يقول بكلام صريح بأنه المسيح. فهذا نوع من التجديف.

والسبب الثالث أنه لم يجري المعجزات والشفاءات التي سمعوا بأنه يجريها في كفرناحوم وكأنهم يتحدونه ليبرهن على أنه نبي لا بل المسيح، ويسوع يقول بصريح العبارة أنه لم يجري المعجزات لقلة ايمانهم.

أما السبب الأخير فإنه يقول لهم ولو بطريقة غير مباشرة بأن الوثنيين أفضل منهم عندما يذكر لهم معجزة ايليا لأرملة صرفة صيدا وشفاء أليشيع لنعمان السوري، وهذا تفضيل للوثنيين اذا كانوا يؤمنون كما أنه تعبير على محبة الله للجميع.

وبطبيعة الحال فان النتيجة الحتمية "فَامْتَلَأَ غَضَباً جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ حِينَ سَمِعُوا هَذَا" ولم يكتفوا بذلك بل انهم طردوه من مدينتهم لا بل كانوا يريدون أن يلقونه من حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه.

ولكن يسوع "جَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى"، أي أنه لم يهتم ولم يرتعب فانه يتابع رسالته لا توقفه الصعاب ولا تعيقه الحواجز.

نرى بوضوح أن رسالة يسوع منذ بداية حياته العلنية لن تكون مفروشة بالورود فإنه يُقابَل بالمعارضة وعدم الفهم لا بل بالرفض والمقاومة. ولكن النبي الحقيقي لا يخاف فانه يقول كلمته ويمشي، كما نسمع في القراءة الأولى عندما يقول الرب لأرميا الصبي "أمَّا أَنْتَ فَنَطِّقْ حَقَوَيْكَ وَقُمْ وَكَلِّمْهُمْ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ. لاَ تَرْتَعْ مِنْ وُجُوهِهِمْ لِئَلاَّ أُرِيعَكَ أَمَامَهُمْ". لا يعده بمهمة سهلة لا بل صعبة ولكنه سيكون معه "فَيُحَارِبُونَكَ وَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَيْكَ لأَنِّي أَنَا مَعَكَ يَقُولُ الرَّبُّ لأُنْقِذَكَ".

اذاً يسوع مُقبِل على مغامرة لا بل مغامرات خلال حياته العلنية: مغامرات مع السلطات الدينية وخاصة الكتبة والفريسيين وعلماء الشريعة؛ مغامرات مع السلطات الدنيوية وخاصة هيرودس وفيما بعد السلطات الرومانية ممثلة ببلاطس؛ ومغامرات مع اليهود من عامة الناس الذين يؤمنون أو لا يؤمنون اذ أنهم يتبعونه ليروا المعجزات وخاصة الشفاءات؛ مغامرات حتى مع تلاميذه الذين يطمعون بالمناصب.. حقاً تتحقق نبوءة سمعان الشيخ عنه عندما قال لمريم أمه: "هَا إِنَّ هَذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ" وقد تنبأ بأن مريم ستتألم "وَأَنْتِ أَيْضاً يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ".

أما النتيجة الثانية بأننا أتباع المسيح علينا أن نأخذ موقفاً ونجيب عن الاسئلة التالية:

هل موقفنا مثل موقف أهل الناصرة أي الرفض؟ أم موقف الايمان؟

هل نخاف ونرتعب لأول معارضة ورفض ومقاومة تقابل ايماننا أم أننا لا نخاف ونسير الى الامام؟

هل نتبع السيد المسيح لمصلحة شخصية ونطلب الآيات والاعاجيب والبراهين على صحة التعليم أم أننا نؤمن على الرجاء لأننا نثق بمن نؤمن؟

وأخيراً: هل يقف ايماننا عند التفكير البشري فقط أم يتعداه الى التفكير الالهي والروحاني ونقول بأننا نؤمن يا رب ولكن أعِن قلَّة إيمانِنا.

وهذا يقودني الى التعريج على قضية جوهرية مرتبطة بحضورنا المسيحي في هذه الارض المقدسة كوننا جماعة صغيرة فقد يتسرب الى قلوبنا الخوف لا بل الذعر ويقودنا الى الانكماش والتقوقع من جهة أو الاغتراب والهروب من جهة أخرى قائلين في أنفسنا "هذا عالم ليس لنا" فنحن ليس لنا مكان هنا لأننا نواجه صعوبات جمة من كل الجهات!

وسأجيب بصريح العبارة بأننا على مثال المعلم مدعوون الى الانطلاق والشهادة لإيماننا في حياتنا اليومية مهما اشتدت المعارضة وقست الظروف ولا نقولنَّ "لا كرامة لنبي في وطنه" إن كرامتنا في وطننا لا بل نضيع كرامتنا عندما نهاجر لأننا نكون جبناء نخاف من المواجهة، ولا نعتقدن بأننا هناك سنعيش حياة أفضل فكما قال لي أحدهم نادماً لا بل لاعناً اليوم الذي وطأت قدمه أرض الغربة: "أبونا لقد خسرنا بلادنا وهنا خسرنا أولادنا". واللبيب من الاشارة يفهم!

الاب رائـد ابو ساحلية
مدير عام كاريتاس القدس