موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٣ مايو / أيار ٢٠٢٥
كاهن رعيّة غزة: البابا لاون الرابع عشر يمنحنا تشجيعًا جديدًا للمثابرة

أبونا :

 

وصف كاهن رعيّة كنيسة العائلة المقدسة في غزة، الأب جبرائيل رومانيلي، الأجواء السائدة في القطاع حاليًا. وأوضح في مقابلة مع فاتيكان نيوز، إنّ أكثر ما يقلقه من "نقص الغذاء والمياه النظيفة والأدوية، وأكثر من التهديد الذي يواجه سلامتنا، ما يقلقني أكثر هو احتمال فقدان الأمل". وقال إنّ سكان قطاع غزة لا يُعاملون كبشر لهم حقوق، بل كأشياء، "فالأمل يتلاشى".

 

وأشار كاهن الرعيّة إلى صعوبة الحفاظ على الأمل في انتهاء هذه الحرب، وعودة السلام، وإعادة بناء المنازل، واستمرار "المجتمع المسيحي الصغير والصامد" في خضم الصراع. وأكد أن غالبية سكان غزة مدنيون، وليسوا بأي حال من الأحوال طرفًا في الصراع المسلح. وقال: "على مجتمعنا أن يقاوم، لأن غزة يجب أن تحافظ على وجود مسيحي واضح".

 

 

وفيما يلي نص المقابلة:

 

الأب جبرائيل، كيف هو الوضع الآن، وخاصةً بالنسبة للمجتمع المسيحي الذي لجأ إلى مجمع الرعيّة منذ ما يقرب من 20 شهرًا؟

 

بفضل المساعدة التي تلقيناها من الكنيسة والعديد من الأصدقاء حول العالم، تمكنا من مساعدة ليس فقط أبناء رعيتنا، بل عشرات الآلاف من العائلات -بغض النظر عن دينهم أو أصولهم- الذين يلجأون إلينا طلبًا للمساعدة.

 

لكن منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، لم نتلقَ أي مساعدة من خارج القطاع. جميع المساعدات -سواءً أكانت طعامًا أم ماءً أم دواءً- مُغلقة عند المدخل من قِبل الجيش الإسرائيلي. لحسن الحظ، خزّننا بعض المؤن، وبفضل تقنينها، تمكنا من البقاء على قيد الحياة. مع ذلك، لم نعد قادرين على مساعدة الناس خارج رعيتنا.

 

لا يزال لدينا بعض الدقيق لعمل الخبز، لكننا نضطر إلى غربلته عدة مرات لأنه مليء بالديدان. كما يتعين علينا تنقية جميع مياهنا للوقاية من الأمراض. أحيانًا، نحصل على الخضراوات من المزارعين المحليين أو من أكشاك الشوارع المؤقتة، لكنها غالية الثمن. يبلغ سعر البصلة الواحدة حوالي 10 يورو، بينما الطماطم أرخص بقليل - أكثر من 15 يورو للكيلو.

 

الآن، علينا أن ندير إمداداتنا المتبقية بعناية فائقة لما يقارب 500 لاجئ نؤويهم، من بينهم حوالي 50 طفلاً ترعاهم راهبات الأم تيريزا. لا نجد حفاضات في أي مكان في القطاع، مع أنها ضرورية للغاية للأطفال الرضع وكبار السن. عندما كانت متوفرة، كان سعر الحفاضة الواحدة لا يقل عن 3 يورو.

 

الوضع في قطاع الأدوية حرج للغاية. لقد نفدت مخزوناتنا بالكامل، وهو أمر خطير بشكل خاص على المصابين بأمراض مزمنة -مرضى القلب، وارتفاع ضغط الدم، والسكري- الذين لا يستطيعون الآن الحصول على العلاج. أينما توجهت، ترى الحاجة.

 

ولكن قبل كل شيء، لا أحد يعلم ما يخبئه المستقبل لـ2.3 مليون شخص يعيشون هنا. وهذا الغموض هو ما يؤدي إلى فقدان الأمل. يشعر الناس بأن الجميع قد تخلوا عنهم. يشعرون أن الله وحده لا يزال يهتم بمصيرهم.

هل تسمعون أصوات انفجارات قريبة منكم؟

 

نعم، بشكل متكرر. [صباح الثلاثاء]، كانت أقل، إذ بدت الضربات أكثر تركيزًا نحو الشمال. لكننا نسمعها باستمرار، وكثيرًا ما تسقط شظايا -أحيانًا كبيرة الحجم- في الجوار. هناك شعور غريب بـ"الوضع الطبيعي". بينما نتحدث، كان الأطفال يلعبون في الخارج في ساحة الرعيّة. لو سمعوا انفجارًا، حتى لو كان قريبًا، لواصلوا اللعب على الأرجح. الخطر متروك للقدر.

 

عندما تحلق الطائرات المقاتلة الإسرائيلية فوق رؤوسنا، يهرع الناس إلى منازلهم، ينتظرون بضع دقائق تحسبًا لسقوط شظايا، ثم يعودون إلى الخارج ويستأنفون حياتهم اليوميّة. أصبح الخوف روتينًا. ويحدث الشيء نفسه في الكنيسة: نصلي معًا، وفجأة تصطدم الشظايا بالسقف أو تنفتح النوافذ بقوة من جراء موجة الانفجار، لكن الصلاة تستمر. هذا الروتين يمنحنا أمانًا أكبر من الهروب.

لشهور عديدة، كنتم تشعرون بالعزاء من اتصالات البابا فرنسيس المسائية اليومية. والآن لدينا البابا لاون الرابع عشر. ماذا تتوقعون من البابا الجديد؟

 

أصبحت اتصالات البابا فرنسيس الهاتفيّة كل مساء تُعرف بـ"ساعة البابا". وحتى الآن، نقرع الأجراس كل مساء في الثامنة مع صلاة التبشير الملائكي لإحياء ذكرى تلك الاتصالات. بعض الناس، عندما يسمعون الأجراس، ما زالوا يهتفون: "مساء الخير، أيها الأب الأقدس!" لأن حضوره لا يزال محسوسًا بيننا. ما فعله البابا فرنسيس لنا كان استثنائيًا للغاية - غير مسبوق في التاريخ.

 

مع البابا لاون الرابع عشر، شعرنا فورًا بتشجيع جديد للمثابرة، خاصةً عندما -كنا قد نصبنا شاشة في الكنيسة، ولحسن الحظ، توفرت الكهرباء والإنترنت في ذلك المساء- بدأ خدمته بصلاة من أجل السلام. كنا جميعًا معًا -كاثوليك وأرثوذكس والعديد من الأصدقاء المسلمين- نفرح لسماع البابا الجديد يدعو للسلام: من أجل غزة والعالم.

الأب جبرائيل، هل ترغب في اغتنام هذه الفرصة لتوجيه رسالة إلى البابا لاون؟

 

بالتأكيد. أودّ أن أعرب له عن امتناننا لكلماته من أجل السلام، وأن مجتمعنا بأكمله يُصلي من أجله. ليس نحن فقط - فالكاثوليك والأرثوذكس والمسلمون على حد سواء يشعرون بأن لهم أبًا. لقد كان قرب البابا فرنسيس بمثابة قرب الكنيسة جمعاء. وما زلنا نشعر بهذا القرب مع البابا لاون. فهو خليفة بطرس، وأب الكنيسة، وأب الجميع. أب للجميع.