موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ١١ أغسطس / آب ٢٠٢٢
في يومهم العالمي: الشباب، تحديات واسئلة

د. ميشال عبس، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط :

 

يحتفل العالم في 12 آب من كلّ سنة بيوم الشباب العالمي ويتفاوت التفاعل مع هذه المناسبة بين دولة وأخرى وبين مؤسّسة وأخرى.

 

نادرًا ما يجد الشباب الإهتمام اللازم بهم إذ يعتبرهم المجتمع مجموعًا يافعًا، قويًا وصلبًا، قادر على تخطي الصعوبات بفعل سنّه وعافيته وتطلعاته، ولم يجر تصنيف الشباب ضمن الفئات المعرّضة أو المستضعفة، لذلك يتركّز الإهتمام على مجموعات أخرى مثل الأطفال والعجزة والمعاقين واللاجئين والمهمّشين وغيرها من الفئات الإجتماعية التي ضيمها واضح للعيان والتي تحتاج إلى مساندة مباشرة وفي أكثر الحالات، مستعجلة.

 

كتربوي لأكثر من أربعة عقود، عايشت شتّى فئات الشباب، أستطيع ببساطة أن أعتبر أنّ الشباب يشكّلون فئة مستضعفة ومهمّشة، أقصاها المجتمع عن غير قصد وبحكم الديناميات الثقافيّة والإقتصاديّة التي تحكم مسيرة المجتمع.

 

إنّ التحدّيات كثيرة على شباب عالمنا الحديث، تتفاوت بين مجتمع وآخر من حيث طبيعة هذه التحدّيات وثقلها على حياة الشباب وتطلّعاتهم وتاليًا، مستقبلهم. ولكنها، في جميع الحالات، ثقيلة الحمل على مجموع إجتماعي يُهمّش ويُقصى بصمت تحت ذريعة أنّه مجموع، بحكم فتوته وطاقاته، قادر على الصمود.

 

تبيّن التجربة لنا أنّ هذا الأمر غير صحيح إذ تحت الصلابة الظاهرة لجيل الشباب، فإنهم مجموع يجري استضعافه ومحاولة إستغلاله يومًا بعد يوم في المجتمع الما-بعد-الصناعي (Post-industrial Society) والمجتمع الما-بعد-الحداثة (Post-modern Society).

 

هذا المجتمع الحديث، رغم كل حسناته، ترخي مكوناته اثقالا كبيرة عل جيل الشباب:

 

- الشباب هم أكثر من يكونون فريسة البطالة إذ إنّنا نشهد منذ أكثر من عقدين تدني متوسط عمر العاطلين عن العمل وفي نفس الوقت، تدني عمر المتعطلين لفترة طويلة. لا ننكر أن مختلف الدول التي أرست سياسات محاربة البطالة قد اهتمت ببطالة الشباب ولكن الآلة والبحث التكنولوجي يبقيان أسرع، إذ تلغي الآلة وظائف في القطاع الإنتاجي بوتيرة أسرع من سياسات استيعاب اليد العاملة العاطلة عن العمل.

 

- الشباب ليسوا الأولويّة لدخول سوق العمل إذ يجدون أنفسهم في فخّ يمكن اختصاره بالتعبير التالي: "لا نستخدمك لأنّ ليس لديك خبرة – كيف يمكنني أن أكون ذو خبرة اذا لم يستخدمني أحد؟". لقد حاولت الجامعات حلّ هذه المشكلة عبر اتفاقات تدرّج تعقدها مع منشآت أو اتحادات تجاريّة أو صناعيّة ولكن يبقى معيار الإنتاجيّة هو الذي يحكم سياسات الإستخدام التي ترسمها المؤسّسات الإنتاجيّة وليس للإعتبار الإنساني أيّ مكان بحكم المنافسة التي تستعر يومًا بعد يوم في الأسواق.

 

- الشباب هم الأولويّة لكلّ من ابتكر أو صمّم أمورًا يعتبرها حديثة أكان من ناحية الملبس أو المأكل أو المشرب أو طريقة العيش أو أساليب "العبادة" – وهنا يأتي التضليل الديني - أو الأفكار السياسيّة المستحدثة أو العقائد الإجتماعيّة أو الخيارات الجنسيّة وكلّ مشتقات ما أنتجه مجتمع الما-بعد-الحداثة. نجد كلّ هذه "الإبتكارات" تصب طاقتها التحويلية على فئات الشباب فيقع فريستها إجمالا من هم في حالة التعطّل ولا تكون النتائج عادة لمصلحتهم.

 

- الشباب هم الأولوية لما يسمّى "الإقتصاد السفلي" (Underground Economy) أو الإقتصاد الموازي (Parallel Economy) إذ أنهم، إمّا بسبب عدم توجيههم بالشكل المناسب من قبل العائلة والقطاع التربوي، أم بسبب تعطلهم وحاجتهم إلى المدخول يقعون فريسة نشاطات إنتاجيّة هامشيّة أو غير شرعيّة تجعلهم في حالة الإقصاء الإنتاجي وتجعل حياتهم في حالة انعدام استقرار قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

 

- في نفس السياق، الشباب هم الأولوية بالنسبة إلى عالم الجريمة والجماعات المسلّحة وسائر الأنشطة الإجراميّة مثل الإغتيالات والسرقة والتهريب ومشتقاتها فيقعون في قبضة قوى حفظ النظام ويدخلون عالم المحاكمات والسجون ويكتسبون ثقافتها والبقية تأتي تلقائيًّا.

 

هذا غيض من فيض تحديات الشباب في مجتمع حديث فقد قيمه وأضاع بوصلته فتفككت فيه العائلة وضاعت فيه الأجيال الصاعدة وأصبح المشهد قاتمًا وليس هناك ما يبشّر بالخير لمستقبل الإنسانيّة.

 

لن نقترح حلولا قوامها لا القطاع الإنتاجي ولا المجتمع السياسي، إذ أننا نعرف أولويات كليهما. لا بدّ أن تكون الحلول خارج هذا الإطار.

 

من أجل استعادة المجتمع لنفسه لا بدّ من دور أساسي وفاعل لكنيسة المسيح عبر المؤسّسات التي أنشأتها هي تاريخيًّا. التحدي الأساسي يكمن في أن تستعيد الكنيسة – أو تضطلع بدورها في مجتمع تاه في صحراء الحداثة وسقط في مستنقع الأنانيّة الفرديّة الطاغية. التحدي الأساسي هو على البنى الكنسيّة، بدءًا من الرعية وصولًا إلى الجامعة، مرورًا بالمدرسة والمستشفى ودار المعاقين وبيت المسنين وهيئات المساعدات الإنسانيّة، وهذه كلّها مؤسّسات يحاول المجتمع الحديث، عن وعي أو غير وعي، أن يهمّشها ويضيّق الحصار عليها.

 

التحدي ألا يتحوّل الشباب الحسني الإندماج اجتماعيًّا ومهنيًّا في مجتمعهم إلى نوع برسم الإنقراض.