موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٤
في سوريا: عَلِقَ أتباع المسيح بين الأسد والخلافة

دومينيكو كويريكو، ترجمة سامح المدانات :

في كتاب جديد من تنسيق سامويل ليفين، بعنوان "الكتاب الأسود حول وضع المسيحيين في العالم" والذي يُطرح للبيع حالياً في اوروبا، يحاول جان-ميشيل دي فالكو، تيموتي راكليف وأندريا ريكاردي أن يوثقوا الهدف من الحملة القائمة حول العالم ضد المسيحية. ويتكون الكتاب من تحليل قام به أكبر علماء العالم. وفيما يلي الفصل الذي كتبه الإيطالي دومينيكو كويريكو:

المسيحيون في سوريا: اتصلت بهم مباشرة، وفي اليوم الثاني من إحدى زياراتي التي لا حصر لها إلى أرض الثورة التي تحولت إلى حرب أهلية مروعة وشرسة. تقع يبرود بمحاذات الحدود اللبنانية. تبدو جبالها بعيدة جداً، جرداء، صخرية، ذات قمم شاهقة، تكللها الغيوم. ومن أجل إكمال الخطوة الأولى من الرحلة المفروض أن توصلني الى دمشق، فقد اضطررت إلى الالتفاق حول سفح الجبل مع فريق من تعزيزات الجيش الحر السوري، فوق أودية عميقة مخيفة تغطيها السحب، ولدى مغيب الشمس، يظهر سهل "يبرود" و"قارة" التي تبعد عنه قليلاً، يبدوان وكأنهما مغمورين بضوء الشمس المجيد، مع الحقول المزروعة والبساتين المنظمة والممتدة بشكل يشبه السجادة. لكنها تعتبر حارسة الصحراء، فتقف خلفها السهول التي لا نهاية لها، والتي تؤدي بك إلى دمشق. وتجعل منحدراتها ورمالها في الأفق البعيد يبدو ملبدة بالغيوم.

"كانت هذه أرض المسيحيين لعدة لقرون. قد صمدوا رغم كل الصعاب: الصليبيين والجهاد، الفقر والثورات، التعصُّب واللامبالاة. والأهم من هذا كله، فقد هربوا من فكِّي إحدى الخطايا التي لا تغتفر: فقدان الأمل (اليأس). خلال رحلاتي الأربعة السابقة لسوريا إبان الثورات، لم أعِرْ الجماعات المسيحية كثيراً من الاهتمام في البلد الذي يحكمه الأسد، ويبلغ تعدادهم من 10-12% من مجموع سكان سوريا، ولكنه من الصعب إعطاء تقدير دقيق، لأن ديانة الأشخاص لا تذكر في بطاقاتهم الشخصية. واعترف أني اعتبرتها مشكلة ذات أهمية ثانوية بالنظر إلى الهوة الساحقة التي يتواجدون فيها بين 22 مليون سوري، تشمل السُّنة، العلويين، العرب، التركمان، الدروز والأكراد. وبالطبع أني لاحظت أن عدد المسيحيين في وحدات الجيش السوري الحر ضئيل. وبالطبع عندما كنت أتكلم عن هذا الأمر مع الثوار، كان الكثيرون يديرون وجوههم لمجرد ذكرهم قائلين: "لقد كان المسيحيون دائماً مقربين من بشار بسبب الخوف والمصلحة... فهم يُشككون فينا نحن الثوار، ويتهموننا بالأصولية والتعصب. ولكنهم بالحقيقة، يدافعون عن مصالحهم، وثرواتهم ووضعهم الاجتماعي الذي اكتسبوه في البلد. ولهذا السبب فإنهم يرون النظام على أنه شبكة أمان لهم ونحن غير معروفين".

ويضيفون: "ولكن لن يكون هناك انتقام في حلب"، مدينة الشهداء، ورمز الثورة التي انقسمت من الوسط، والأحياء التي تم تحريرها من جهة، ويد النظام من الجهة الأخرى. "سيكون هناك مكان للمسيحيين في الدولة الجديدة التي نتصورها كدولة ديموقراطية، تعددية وتضمُّ طوائف مختلفة".

وقد دعمَ المسيحيون السوريون بشكل تقليديي حزب البعث، ودولة الأمة دائماً. ولكنهم فعلوا ذلك لحاجتهم. وكانوا يرونها طريقة لإيقاف الأصوليين. وكان عصرهم الذهبي في أوجه في الخمسينيات، عندما شاركوا بشكل فعّال ونشيط في الحياة السياسية والبرلمانية لدولة سوريا التي كانت قد نالت استقلالها حديثاً تلك الأيام؛ وكانت انتخابات عام 1954، هي الانتخابات الديمقراطية الوحيدة في تاريخ البلاد بأكمله.

كان أمير جبهة النُصرة، الذي أخذني أسيراً لمدة عشر أيام، لبناني وسيم الطالع، أزرق العينين، جاء من القرى المحاذية للحدود، ليخوض الحرب المقدسة في سوريا، وتصفية الحسابات مع حزب الله الشيعي. ويظهر أنهم ارتكبوا مجزرة في قريته. وكانت سلسلة الأحداث هذه هي التي أدت إلى الحرب الأهلية في سوريا. رجل متدين كان محارباً في السابق، تماماً مثل محاربيه الشباب، صلاة وحرب، حياة زهدٍ حيث لا مكان فيها للإبتسامات، الطعام أو التقوى. يمر أمام الاصطبل حيث مجموعة محاربيه يعيشون في ظروف قاسية ويصيح: "انهضوا أيها المجاهدين، إن الله يدعوكم، حان وقت الصلاة!". كانت نظراته ذكية وقاسية في نفس الوقت، وكانت كل الأمور مرتبة في ذهنه. وعندما سألته ما المستقبل الذي تنتظره سوريا إن هم تمكنوا من التخلص من بشار، فقال بدون تردد: سنقيم الخلافة هنا، حسب إرادة الله العظيم الرحيم. وسوف تسود الشريعة الإسلامية وتكون هي العليا، وهذه ليست سوى البداية.. فسوف نلقي بكل اليهود في البحر، وسوف نحتلّ لبنان، ونطيح بالأنظمة الملحدة والفاسدة التي في الأردن والعراق... ثم مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، الأندلس، اسبانيا وسائر بلاد الله. وستعود الخلافة إلى مجدها الأول، في الأيام المقدسة يوم كان الإسلام منتصراً. فسألته: وماذا سيحصل للمسيحيين في الخلافة المستقبلية؟ فقد كانوا يعيشون هنا منذ قرون، وهذه أرضهم وموطنهم؟ فأجاب: سيكون لهم مصيٌر أفضل من مصير العلويين، وحزب بشار الشيطاني، الذي سنلاحقه ونبيده إلى آخر رجل فيه، نساءً واطفالاً. فإذا أطاع المسيحيون فسوف يكون بإمكانهم البقاء هنا، ولكنهم سيضطرون إلى دفع الضريبة مثل سائر الذميين. ولكنهم لن يتمتعوا كمواطنين بنفس حقوق المواطنين المؤمنين.

على مدى السنة الماضية، تغيرت طبيعة الحرب الأهلية السورية ومن يلعبونها بشكل جذري. فعدد المجموعات الجهادية التي يتم تمويلها من المملكة العربية السعودية، وعادة ما تكونوا من متطوعين أجانب، قد تضاعفت وأصبحت أقوى. وفي الأراضي التي لم يعد الجيش السوري الحر متواجداً فيها، فإن هذه المجموعات أصبحت هي القوة المعارضة الحقيقية التي تقف أمام الجيش النظامي. وقد أحضروا معهم الأصولية التي لم تكن موجودة في المرحلة الأولى من الثورة. فهم يرون أن الإطاحة بالنظام هي المرحلة الأولى من إجراءات إعادة تأسيس الخلافة في بلد يُعتبر لاعباً أساسياً في الشرق الاوسط.

التعامل مع المسيحيين يختلف: كل كتيبة تأخذ موقفاً أكثر أو أقل تعصباً ويعتمد الأمر على تكوينها: الشيشان والليبيون والتونسيون والتتر، السعوديون والأروربيون. وقد أدت المعلومات المغلوطة عن كلا الطرفين المتنازعين إلى تمخض عدة نظريات وأساطير.

وقد جمّعت الصحف الغربية ونشرت قصصاً مرعبة عن قتل الأصوليين للمسيحيين وتعبئة دمائهم في زجاجات وإرسالها إلى السعوديين الذين يمولون مجموعاتهم، ليثبتوا لهم بأنهم يعملون بجدّ في هذه الحرب المقدسة. وكان هناك حديث عن صلب مسيحيين بناءً على أشرطة فيديو مشكوك في مصدرها. وهناك جماعات من المجاهدين من مصادر مشكوك فيها أيضاً والتي قد تكون قد تكونت أو تسللت عن طريق المخابرات لبث البلبلة بهدف القيام بعمليات عسكرية قذرة. مثلاً: مَنْ أطلق النار على الأب فرانس فاندير لوخت ثلاث مرات في العنق؟ وهو الكاهن الهولندي الذي وافق على البقاء في الحي القديم من مدينة حمص التي كانت تحت الحصار لمدة عامين، رغم القنابل ونقص الغذاء، ليثبت للعالم أنه لم يكن يرى مسيحيين أو مسلمين بل فوق كل شيء بشراً. هل كان الأصوليون أم الجيش النظامي الذي قتله انتقاماً؟. ومَنْ اختطف الكاهن اليسوعي الآخر الأب باولو دال أوغليو مؤسس دير مار موسى، المكان المسكوني غير العادي، حيث اعتاد المسيحيون والمسلمون الصلاة فيه جنباً إلى جنب منذ أكثر من عام؟ وعلى خلاف القادة المسيحيين الذين كان يخالفهم الرأي، فقد كان الأب دال أوغليو منذ البداية يدعم الثوار ضد النظام الذي كان يندد به ويعتبرة فاسداً وعنيفاً. وها نحن أمام كاهن، وثائر خالٍ من كل المتناقضات والنفاق.

وليس هناك أي تأكيد على أن اختطاف الأب دال أغليو قد تم على يد إحدى مجموعات المجاهدين الأكثر أصولية"، "الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش" والتي تسيطر على الأراضي المحاذية للحدود السورية-العراقية حيث افتُقِد الكاهن الإيطالي اليسوعي. ليس لقيمة الأب دال أوغليو الثورية أية أهمية بالنسبة لهؤلاء الثوار الجدد باعتبار صفتيه الأكبر الأخريين وهما: كونه أجنبياً، والأهم منه كونه مسيحياً.