موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١١ يوليو / تموز ٢٠٢٤
عطيّة الدعوتين الفرنسيسكانيتين اللتين ازدهرتا وسط أنقاض الحرب
مقال لنائب حارس الأراضي المقدّسة

الأب إبراهيم فلتس :

 

على مدار 800 عام، يسهر أبناء القديس فرنسيس الأسيزي على الأماكن المقدسة و"الحجارة الحيّة" التي تسكنها. تتواجد حراسة الأراضي المقدسة في بلدان مختلفة؛ فهي لا تتواجد في فلسطين وإسرائيل فحسب، حيث أمضى يسوع حياته الأرضيّة، ولكنها تعمل أيضًا في معظم مناطق الشرق الأوسط؛ في قبرص ورودس والأردن ولبنان ومصر وسورية.

 

لقد شهدت الأرض المقدّسة حروبًا ودمارًا، وما زالت تعاني حتى اليوم من العنف والكراهية والانقسام.

 

خلال 800 عام، فقدت الحراسة أكثر من ألفي راهب ماتوا وهم يعلنون إيمانهم بالمسيح ويدافعون عن الأرض المقدّسة.

 

ففي العاشر من تموز، تحيي الليتورجيا ذكرى الشهداء الفرنسيسكان الطوباويين الذين قتلوا بسبب "كراهيّة الإيمان" في دمشق عام 1860. وقد عيّن البابا فرنسيس تاريخ إعلان قداستهم في 20 تشرين الأول 2024. وسوف يكون يوم نعمة لسورية الشهيدة التي تعيش حربا منذ 13 عامًا: حرب بين الأشقاء تدمّر شعبًا، وأمة عظيمة، وحضارة تفتخر بأن يكون عمرها ألف عام.

 

وصلتُ إلى حلب مع إخوة آخرين في 6 تموز: بنعمة الله، تمكنت سورية من أن تفرح بالرسامة الكهنوتيّة لأخوين توأمين زرعا معًا محبة المسيح والقديس فرنسيس. لقد كانت فرحة عظيمة للحراسة، التي عرفت رسامة كهنة إخوة، ولكنها تستقبل لأول مرة كاهنين توأمين!

 

غادرنا عمّان، وعبرنا جزءًا كبيرًا من سورية: رأينا بلدات ومدنًا مدمّرة وبلا حياة. يُضاف إلى ذلك الحرب المستمرة، والدمار الناجم عن الزلزال الرهيب في شباط 2023. في السنوات الأخيرة، فقد 1.3 مليون من السوريين حياتهم، واضطر 8 ملايين إلى مغادرة أراضيهم وتاريخهم. فكرت في معاناة غزة مثل سورية، وكيف حطمت الحرب الحياة ودمّرت المباني التي كانت تؤوي الأرواح.

 

تضمّ سوريا أكبر عدد من الرهبان في حراسة الأراضي المقدسة: نعمة وحضور مهميّن. لقد عانى إخوتنا وأخواتنا المنخرطون في المجتمعات السورية وما زالوا يعانون، لكنهم لم يهملوا أبدًا حبهم لقريبهم، ولم يفقدوا أبدًا الرجاء في السلام. وبينما كنا نسير في طرق صامتة ومقفرة، شكرت الله على بذرة الرجاء الجديدة التي حملها الشقيقان الجديدان في الكهنوت إلى الكنيسة وحراسة الأراضي المقدّسة.

 

نال الشماسان الأخ جورج والأخ جوني جلوف، الرسامة الكهنوتيّة في كنيسة القديس فرنسيس الأسيزي في حلب، بوضع يدي المطران حنا جلوف، النائب الرسولي للاتين في حلب. إنّ المطران حنا هو عمّ الكاهنين الجديدين، وهو واحد من الدعوات المقدسة العديدة التي أعطتها سورية لحراسة الأراضي المقدّسة: فليكن تفانيه الكامل للسيّد المسيح وللكنيسة مثالاً لهؤلاء الشباب ولنا جميعًا. قام الأب حنا، الذي سيحتفل بعامه الأوّل كنائبٍ رسولي في حلب في 17 أيلول، برسامة الكاهنين الجديدين، وقد فرح لرؤية أبناء أخيه يصبحون جزءًا من رهبانيّة الإخوة الأصاغر الفرنسيسكانيّة وحراسة الأراضي المقدّسة.

 

لقد شاركتُ في الاحتفال الإفخارستي مع ثلاثين من الإخوة الرهبان، ورفعنا الصلاة من أجل الدعوات الضروريّة جدًا التي يحتاجها شعب الله، ومن أجل سورية، الأرض المباركة التي مزقتها الحرب. فرحت مع عائلة جلوف الجميلة، وهنأت الوالدين الفخورين والمتحمسين لأبنائهما، وهما شقيقان متحدان للغاية ومتناغمان للسير معًا في طريق الحياة، ويتقاسمان نعمة الدعوة.

 

وبعد الاحتفال المهيب، احتفل الأقارب والأصدقاء والإخوة وأبناء الرعيّة بالكاهنين. لقد لمست المشاركة القويّة في الفرح الحقيقي للجماعة المسيحية في حلب، والتي نسيت الحرب لبضع ساعات وسبّحت الله بفرح. فقبل الحرب، كان هناك 200 ألف مسيحي في حلب. أما اليوم، فقد بقي 25 ألف فقط.

 

التقيتُ يوم الأحد 7 تموز بإخوتي السوريين مرّة جديدة. إنّني أدرك جيدًا التزامهم، لكنني تمكنت أيضًا من أن أعاين العمل العظيم الذي تم إنجازه في استعادة كلية تراسنطا، وهي مجمّع مهيب كان في يد السلطات السوريّة وعاد ملكيته إلى الفرنسيسكان التابعين للحراسة قبل بضع سنوات.

 

اليوم، أصبحت كلية تراسنطة من جديد مكانًا للقاء، ومكانًا للدعم الملموس لاحتياجات الناس. تمّ تخصيص جزء من المدرسة لإنشاء فرن ينتج خبزًا لذيذًا: في هذا الفرن شممت أيضًا رائحة يسوع الذي يبذل نفسه في الإفخارستيا ويعطي حياة جديدة، حتى وسط الألم. كما رأيت حوض السباحة مجهزًا للتخفيف من وطأة الأيام الحارة وتقديم لحظات من الصفاء لأولئك الذين عانوا من آلام الحرب لسنوات.

 

أما في فترة ما بعد الظهر، فقد شاركنا في القداس الأول للكاهنين الجديدين: كان الاحتفال مؤثرًا، وظهرت فيه مشاركة واهتمام الكهنة. ترأس الأب جورج الذبيحة الإلهيّة وألقى الأب جوني العظة. لقد عشنا كل لحظة من القدس الإلهي بشكل مكثّف، وأحيينا ترانيم جميلة جدًا؛ فالكاهنين التوأم هما أيضًا موسيقيان جيّدان، ويسبحان الرب حتى في الموسيقى.

 

في أرض دمّرتها مأساة الحرب وأصابتها المأساة، تشكر عائلة حراسة الأراضي المقدّسة الله على نعمة الدعوة، وتصلي كي يستمر أبناؤها الأحباء في أن يكونوا مرسلين للسلام في أرض يسوع، وفي جميع أنحاء العالم.