موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الثلاثاء، ١٩ ابريل / نيسان ٢٠٢٢
شيخ الأزهر: التضييق على غير المسلمين في مأكلهم ومشربهم بنهار رمضان "سخف"
المسيحيون مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، ورفض تهنئة المسيحيين بأعيادهم فكر متشدد لا يمت للإسلام بصلة

وكالات :

 

قال شيخ الأزهر أحمد الطيب، إنّ الأزهر يعتز بالعلاقة التي تربط المصريين؛ مسلمين ومسيحيين، والتي تنبع من الفهم الصحيح للدّين، مؤكدًا أن تهنئة المسيحيين بالأعياد ليست من باب المجاملة أو الشكليات، وإنما تأتي انطلاقًا من الفهم الصحيح للإسلام، مشيرًا إلى أنّ علاقة المسلمين والمسيحيين تُعد تجسيدًا حقيقيًّا للوحدة والإخاء، وأنّ هذه الأخوّة ستظل دائمًا الرباط المتين الذي يشتدّ به الوطن في مواجهة الصعاب والتحديات.

 

وأوضح الطيب بأنّه لا توجد في القرآن أديان مختلفة، لكن توجد رسائل إلهيّة تعبّر عن الدين الإلهي الواحد. وقال: نقرأ في القرآن ما يدل أن الإنجيل مؤيد للتوراة، والقرآن مؤيد للإنجيل والتوراة، مشيرًا إلى أن فقهاء المسلمين يرون أنه لا يجوز للمسلمة أو المسلم أن يلمسوا القرآن على غير طهارة، وذلك الأمر ينطبق على لمس الإنجيل والتوراة، فيجب عدم لمسهما إذا كان المسلم على غير طهارة. وأكد شيخ الأزهر أن هذا الرأي درسناه في كتب التراث ويدرسه طلاب الفقه بجامعة الأزهر والمرحلة الثانوية، وذلك نظرًا لأصل التوراة والإنجيل ككتاب أنزله الله تبارك وتعالى على عيسى ابن مريم.
 

دين الرحمة ودين السلام

 

واعتبر الطيب موعظة السيد المسيح على الجبل دستورًا أخلاقيًا ومعيارًا للسلوك الإنساني الراقي، مشيرًا إلى أن المسيح سعى إلى نقل المجتمع من النخبة التي تتعبد النوازع الشخصية إلى إعادة تهيئته إلى المثالية، متابعًا عندما أقرأها تدمع عيني، لما فيها من قيم وسماحة.

 

وأكد أن الإسلام هو دين الرحمة، والمسيحية هي دين المحبة، وهما يتعاونان اليوم ويتعانقان من أجل عالم يسوده التسامح والسلام، موضحًا أن مشروعية الحرب في الإسلام ليست مقصورة على الدفاع عن المساجد فقط، بل مشروعة بالقدر ذاته للدفاع عن الكنائس وعن معابد اليهود.

 

وأشار إلى أن الإسلام مرتبط بالمسيحية منذ قدوم عمرو بن العاص لمصر، حيث كان أول ما فعله هو الإفراج عن البابا بنيامين، الذي كان مختبئًا من بطش الرومان، فأبلغه مأمنه، غير المكانة التي تحظى بها السيدة مريم العذراء في نفوس المسلمين، موضحًا أن المسلمين يقدسون السيدة مريم مثل الأقباط.

 

وأكد أن الأديان السماوية هي أولاً وأخيرًا ليست إلا رسالة سلام إلى البشر، بل هي رسالة سلام إلى الحيوان والنبات والطبيعة بأسرها. وقال: لا ينظر الإسلام لغير المسلمين من المسيحيين واليهود إلا من منظور المودة والأخوّة الإنسانيّة، وهناك آيات صريحة في القرآن تنص على أن علاقة المسلمين بغيرهم من المسالمين لهم، أيًا كانت أديانهم أو مذاهبهم، وهي علاقة البر والإنصاف.

المواطنة في الإسلام

 

وأضاف شيخ الأزهر أنه لا محل ولا مجال أن يُطلق على المسيحيين أنهم أهل ذمة، مؤكدًا أنهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، مشيرًا إلى أن مصطلح الأقليات لا يعبر عن روح الإسلام ولا عن فلسفته، وأن مصطلح المواطنة هو التعبير الأنسب، والعاصم الأكبر والوحيد لاستقرار المجتمعات.

 

وأوضح أن المواطنة معناها المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين جميعًا، بخلاف مصطلح الأقليات الذي يحمل انطباعات سلبية تبعث على الشعور بالإقصاء، وتضع حواجز نفسية تتداعى وتتراكم في نفس المواطن الذي يطلق عليه أنه مواطن من الأقليات. ونبّه إلى أن المواطنة لا تتوقف عند اختلاف دين أو اختلاف مذهب، فالكل متساوون في الحقوق والواجبات، والجميع سواسية أمام القانون في الدولة، وعلى الجميع أن يدافعوا عن هذا الوطن ويتحملوا المسؤولية الكاملة.

 

وقال: الحضارة الإسلاميّة أول من حفظت حقوق غير المسلمين، وأكدت المساواة التامة بين المواطنين من خلال الصيغة التعاقدية بين غير المسلمين وبين الدولة الإسلاميًة، موضحًا أنه يجب ألا يُنتزع هذا المصطلح من محيطه التاريخي ويُحاكم بانطباعات الناس، ولذلك فإن الكارهين للتراث بسبب أو بآخر الذين يأتون بفتوى قيلت في وقت عصيب ليقولوا هذا هو الإسلام وفقهه وتراثه، والمتشددون الذين يستوردون حكمًا كان يواجه التتار أو الصليبيين في بلاد الإسلام ليطبقوه الآن على غير المسلمين، كلاهما كاذب؛ لأن الإسلام غير ذلك تمامًا.

التهنئة بر.. ورفضها تشدد لا يعرفه الإسلام

 

وعن الأصوات التي تحرّم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وتنهي عن أكل طعامهم، ومواساتهم في الشدائد، ومشاركتهم في أوقات الفرحة، أكد شيخ الأزهر أن هذا فكر متشدد لا يمت للإسلام بصلة، وهو فكر لم تعرفه مصر قبل سبعينات القرن الماضي؛ فمنذ السبعينات حدثت اختراقات للمجتمع المصري مسّت المسلمين والمسيحيين، وهيأت الأرض لأن تؤتى مصر من قبل الفتنة الطائفية، وتبع هذا أن التعليم الحقيقي انهار، والخطاب الإسلامي انهار أيضًا، وأصبح أسير مظهريات وشكليات وتوجهات.

 

تابع: كُنا نرى عشرات القنوات الفضائية تبث خطابًا إسلاميًا دون أن يتحدث القائمون عليها في قضية محترمة، أو أن يتطرقوا إلى مسألة ترسيخ أسس المواطنة، ونشر فلسفة الإسلام في التعامل مع الآخر، وبخاصة المسيحيين، والسبب في ذلك أن هؤلاء كانوا غير مؤهلين، وفاقدين لثقافة الإسلام في هذا الجانب، وغير مطلعين على هذه الأمور، وكانوا يسعون إلى نشر مذاهب يريدون من خلالها تحويل المسلمين إلى ما يمكن أن نسميه شكليات فارغة من جوهر الإسلام الحقيقي.

 

وشدد على أن من يحرِّمون تهنئة المسيحيين بأعيادهم غير مطلعين على فلسفة الإسلام في التعامل مع الآخر بشكل عام، ومع المسيحيين بشكل خاص، والتي بيّنها لنا الخالق عز وجل في قوله: «ولتجدنَ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون»، وبيّنها أيضًا في قوله: «وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفةً ورحمة»، وإذا قرأنا كلام المفسّرين والمحدثين في هذا الجانب، سنجد أنهم وصفوا المسيحيين بأنهم أهل رأفة ورحمة وشهامة، وأنهم لا يحملون ضغينة، وأن هذه الصفات مستمرة فيهم إلى يوم القيامة، وهذا الكلام موجود في أمهات الكتب التي يدرسها الأزهر لطلابه.

التضييق على المسيحيين

 

وعن موقف الأزهر من مسألة بناء الكنائس، حسم الإمام الأكبر الأمر قائلاً: إنّ الأزهر ليس لديه أي غضاضة على الإطلاق في هذه المسألة؛ لأنّ الإسلام ليس ضد بناء الكنائس، ولا يوجد لا في القرآن ولا في السنة النبويّة ما يحرّم هذا الأمر، ولذلك لا يمكن أن يتدخل الأزهر لمنع بناء كنيسة. وأنا أرى أن دور العبادة لا تحتاج إلى قانون ينظم بناءها؛ فمن أراد أن يبنى مسجدًا وكان لدى وزارة الأوقاف الإمكانات اللازمة لهذا البناء فليبني، وكذلك من أراد أن يبني كنيسة وتوافرت الإمكانات فليبني.

 

ووصف ما يحدث في بعض القرى من مضايقات عند بناء أي كنيسة بأنّه ميراث وليد عادات وتقاليد والناس تناقلته، وليس له أصل في الإسلام. وقال: أنا من الذين يرون أن بناء مسجد أمام كنيسة، هو نوع من التضييق على المسيحيين، والإسلام نهانا عن المجيء بمثل هذه المضايقات «ولا تضيقوا عليهم ولا تضايقوهم»؛ لأن بناء مسجد أمام كنيسة يُزعج المسيحيين، وهو نوع من الإيذاء المنهى عنه «ومن آذى ذمياً فقد آذانى»، وكذلك أنا ضد بناء كنيسة أمام مسجد لأن هذا الأمر أيضًا يُزعج المسلمين، وهو نوع من الإيذاء والتضييق، ولمن يأتون بهذه الأفعال أقول: أرض الله واسعة، فلتبنى المساجد بعيدًا عن الكنائس، ولتبنى الكنائس بعيدًا عن المساجد؛ لماذا الإصرار على بناء المسجد أمام الكنيسة؟ ولماذا الإصرار على بناء الكنيسة أمام المسجد؟ هذه استهانة بالعبادة، وبدور العبادة، وتصرف لا يرضاه الإسلام؛ لأنه ليس مطلوبًا مني كمسلم أن أغلق الكنيسة، وأطفئ أنوارها، وأمنع الصلاة فيها، بل المطلوب مني أنه لو تعرضت الكنيسة لاعتداء يجب عليّ كمسلم أن أدافع عنها.

 

وأشار شيخ الأزهر إلى أن التضييق على غير المسلمين في مأكلهم ومشربهم بنهار رمضان بدعوى الصيام سخف لا يليق ولا يمت للإسلام من قريب أو بعيد، مؤكدًا أنّ المسلم الذي لا يطيق رؤية زميه المسيحي في العمل يأكل أو يشرب أو مشاهدة المواطنين المسيحيين في المطاعم في نهار رمضان، كيف يطيق إفطار أطفاله الصغار في نهار رمضان؟ أم أنه يضيق على أطفاله ويمنع عنهم الأكل والشراب؟

رسالة إلى الطلاب

 

وأكد شيخ الأزهر أن الله تعالى أنعم على الأمة الإسلامية بشريعة كريمة سمحة، سعد بها وبأحكامها المسلمون كل السعادة، وعاش فى ظلها الوارف غيرهم من أهل الملل الأخرى آمنين مطمئنين. لكنّه نبّه إلى أنه على الرغم من سماحة الإسلام، ويسر أحكامه، ورحابة استيعابه للمخالفين له، فإنه بمرور الزمن طرأت على الفكر الإسلامي أنماط شاذة من التفكير غابت عن أصحابها حكمة الشريعة ومقاصدها العليا في التعامل مع أهل الأديان الأخرى، فانحرفت بالإسلام عن سماحته، وبالفكر الإسلامي عن وضوحه ونقائه، حتى رأينا ظواهر غير مألوفة ولا مقبولة في معاملة غير المسلمين.

 

واعتبر أنّ هذه المعاملات السيئة تسببت في حدوث فتن وانقسامات واضطرابات بين أبناء الوطن الواحد، حتى غدا أفراده فريقين متخاصمين غير مؤتلفين، علمًا بأن المواطنة في الإسلام لا تفرّق في الحقوق والواجبات بين الأديان المختلفة، فالكل يتمتعون بالحق نفسه في العيش في ظلال الوطن الذي هو حق للجميع، مشيرًا إلى تطوّر الأمر بصدور فتاوى خاطئة ومغلوطة تمنع المسلم من أن يهنئ جاره أو صديقه المواطن المسيحي، وتحظر عليه أن يشاركه فرحه، أو يعزيه فى مصابه، مؤكدًا بشكل قاطع أن هذه الأمور تخالف هدى نبي الإسلام، وهدى صحابته الكرام في حسن معاملة غير المسلمين، وبرهم واحترامهم.

 

وقال: من المؤلم حقًا أن تصدر مثل هذه الفتاوى من أناس ليسوا على علم بأصول الشريعة، ولا معرفة بمقاصدها العليا، ولا دراسة لحكمتها البالغة في التشريع، والأكثر ألمًا أن هذه الفتاوى صدقها الشباب واعتقدوا أنها مما جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية، والحقيقة عكس ذلك. وتابع: نصيحتنا التي لا نملّ من تكرارها على عقولكم ومسامعكم: أن تحترسوا أشد الاحتراس من أي فكر ضال منحرف يدعو إلى الإساءة إلى المسيحيين، أو إلى تكفير المسلمين، أو كراهية الوطن وقادته وجيشه وقوات أمنه.. فكل هذه الأفكار هي أفكار خارجة عن هدى الإسلام وهدى رسوله، وأحكام شريعته التي أمرت المسلم بالإحسان إلى أخيه المسلم، أيًا كان مذهبه في الفقه أو العقيدة، كما أمرته بالبر والإحسان إلى غير المسلم، أيًا كان دينه، وأيًا كانت عقيدته.

 

وخلص شيخ الأزهر إلى القول: اعلموا أننا لسنا وحدنا في هذا العالم، وأن العلاقة بيننا وبين غيرنا هي علاقة التعارف والتعاون، وليست أبدًا علاقة الصراع، أو حمل الناس على الإسلام بالقوة، أو الإساءة إلى أديانهم وعقائدهم، فالناس -فيما يقول الإمام علي: "إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق"، وكما تحب ألا يساء إليك، أو ينتقص من شأنك، فكذلك لا يجوز أن تسيء إلى الآخرين، أو تنتقص من شأنهم.