موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
"إذا كان احد في المسيح، فهو خليقة جديدة" ( 2كور 5: 17)
الأخوة الآباء الكهنة.. الأخوات الراهبات وكل شعب إيبارشية المنيا الأحباء في الرب، والذين أحملهم في صلاتي وفي قلبي، نعمة وفرح المحبة الإلهية المتجسدة يملآن قلوبكم وسلامه يغمر حياتكم.
1-,ميلاد المسيح رجاء وفرح
على الرغم مما يساورنا من مخاوف، ومانشعر به من قلق، ومانراه من خروج على المألوف من عاداتنا، فمن شأن احتفالنا بعيد ميلاد الرب يسوع أن يحمل إلينا السلام والفرح والثقة. ولا يمكننا بالطبع أن نغفل ما يجري عندنا وفينا من تغيَرات ايجابية وسلبية، ولا نستطيع أن نُغمض عيوننا عما نعيشه: فبلدنا غير متماسك وأسباب الخلاف كثيرة عندنا.
نحتفل في الميلاد بسر عظيم وهو أن ابن الله وكلمته الأزلية تجسد وصار بشرا بفعل الروح القدس في أحشاء العذراء القديسة مريم. وهذا الحدث هو احتفال بحقيقة عظيمة سامية توضح للإنسان دعوته الفائقة الطبيعة وهي أن يصبح" ابن الله بالتبني". وعلى نور هذه الحقيقة، نشاهد ونقيَم كل الحوادث البشرية. كما أن الميلاد هو إعلان يحمل في داخله رجاء وفرح قلبنا، لأنه يمنحنا الثقة، في كل مرة نشعر فيها بعجزنا أمام الصعوبات والشر في العالم، أنً قدرة الله تعمل دائما العظائم في ضعفنا لان قوتنا هي في نعمته، كما يقول القديس يوحنا: " فمن فيض نعمه نلنا جميعا نعمةً على نعمةٍ"(يو 1: 16).
يقول قداسة البابا بندكتوس السادس عشر: إن المسيحي هو إنسان رجاء خصوصا أمام الأخبار المحزنة والسواد الذي غالبا ما يوجد في العالم وهو لا يتعلق بمشروع الله وإنما بخيارات الإنسان الخاطئة. لذلك فهو يعرف أن قوة الإيمان تنقل الجبال، وأنً طبيعة الحياة هي التفاؤل رغم الأوضاع الصادمة ويسمي الكاتب الكبير هيكل ما تشهده مصر الآن بــ"معركة هزيمة اليأس"
2-,ميلاد المسيح محبة وسلام للأرض
في ليلة ميلاد المسيح، أنشدت الملائكة "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام والمسرة لكل الناس"(لو2: 14). وتتضمن عظة التطويبات التي أعلنها المسيح: "طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناء الله يُدعَون" (مت 5: 9).
إن الشر يُحدث ضجيجا أكثر من الخير: فالقتل البشع والعنف المنتشر، والفوضى المفزعة والظلم البيًن يتصدرون عناوين الأخبار. وفي المقابل فان الحب والأعمال النافعة للآخرين وصانعي السلام عادة ما تبقى في الظل. وإذا كنا نريد فهم العالم والحياة، وجب أن يكون بمقدورنا التوقف في صمت وفي تأمل وفي هدوء وتفكير عميق.
يقول قداسة البابا في رسالته بمناسبة اليوم العالمي للسلام 2013: "إن التطويبات ليست مجرد توصيات أخلاقية والتي من خلال حفظها يتوقع الإنسان ثوابا، وغالبا ما يُظًن انه في الحياة الأخرى، أي حالة سعادة مستقبلية. ولكن في الحقيقة هي وعد مقدًم لجميع الذين يتركون أنفسهم تحت قيادة متطلبات الحقيقة والعدالة والمحبة". ويواصل قداسته قائلا: "وقد يبدو أن كل من يثقون في الله ووعوده هم سذج ومغيبون عن الواقع. ولكن يسوع يعلن لهم أنهم في هذه الحياة الحاضرة سيكتشفون أنهم أبناء الله، وان الله منذ القدم والى الأبد متضامن، ليس فقط معهم، بل ومع كل الذين يلتزمون من اجل الحقيقة والعدالة والمحبة".
"فالرب يؤتي العزة لشعبه، الرب يبارك بالسلام شعبه" (مز 29: 11). ويسوع المسيح ملك السلام منحنا السلام الحقيقي، ولا يزال يمنحه من خلال شهود للسلام وصانعي سلام.
3-,بالميلاد نحن خليقة جديدة
ماذا نعني بعبارة خليقة جديدة؟ هي رؤية متجددة مستنيرة ترى واقعها في نور حضور عمانوئيل الله معنا. وهناك ثلاثة أنواع من العيون للرؤية:
العين الظاهرة: عين الجسد وهذه يمتلكها كل البشر وترى ظواهر الأمور.
العين البصيرة: عين الإيمان التي تذهب إلى ابعد من الظاهر: " وكانت مريم تحفظ كل هذه الأمور وتتأمل بها في قلبها" (لو 2: 19). " إن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس.." (لو 1: 49) فهنا ترى مريم عمل الله في حياتها ورسالتها.
العين المستنيرة: هي مسيرة متقدمة على عين الإيمان يقودها روح الله، فترى ما لم تره عين ولم يخطر على قلب بشر. فبالعين المستنيرة يرى سمعان الشيخ أن خلاص الله لجميع البشر " نوراً تجلى للأمم ومجداً لشعبك.." ( لو 2: 32)، وتتيقن مريم أن رحمة الله هي إلى الأبد "من جيلٍ إلى جيل" (لو 1: 50). وتؤكد التطويبات أن انقياء القلب هم الوحيدون الذي يعاينون الله"طوبى لانقياء القلب لا نهم يعاينون الله" (مت 5: 8).
إنً الخليقة الجديدة تقوم في رؤية جديدة. لان رؤيتي وأفكاري هي التي تصنع أفراحي وليست الظروف والأحوال. الكل يشكو من الظروف والكل مهتم بالأمور السياسية والاقتصادية، والكل يبكي على الزمن الجميل، فلماذا لانعيشه الآن؟.
إنً غياب الأمن ناتج أن كل واحد يبحث عن خلاص نفسه بقوته ولنفسه فقط. فالمشكلة في الأساس ليست في الفقر ولا في الصعوبات، لان هذه في حد ذاتها لاتمنح السعادة والسلام، وإنما القضية هي الإنسان والحل هو الإنسان ومن خلال الإنسان. هكذا يؤكد القديس اغسطينوس بقوله" الأيام شريرة، هكذا يقول الناس، ولكن كما نكون نحن تكون أيامنا"
إننا غالبا مانصلي إلى الله أن يغيًر أحوالنا وظروفنا، بينما علينا أن نطلب إلى الله أن يغيًرنا نحن، وبالتالي نغيًر نحن أحوالنا وظروفنا، فنصير خليقة جديدة.
فلنصلِ
يا اله المحبة المتجسدة
أرسل روحك فيخلقون وليتجدد وجه الأرض
هبنا ربنا أن نتجدد بحبك في ذهننا وفي إنساننا الباطن،
في مسيرة النضج الإنساني والروحي
فنحصل على عين الإيمان المستنيرة بالروح القدس.
أعطنا ربنا أن ننشر كلمتك الحيًة
فنكون رسلك في كل مكان وشهوداً حقيقيين
نسير خلفك مدافعين عن الحق والعدل وكرامة كل إنسان
منددين ورافضين عقلية الأنانية الفردية.
هبنا ربنا أن نكون رسل سلام في علاقاتنا مع الآخرين ومع الطبيعة
وذلك بالحوار الايجابي البناء والسعي من اجل الخير العام.
أعطنا ربنا أن ننعم بعطاياك السخية، خاصة عطية ذاتك لنا في الميلاد
وان ندرك انك اله الكون وحاميه من كل الشرور
لأنك المحبة والسلام. آمين
وكل عام وانتم بالبركة والنعمة