موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٥ يونيو / حزيران ٢٠٢٣
رسالة البابا فرنسيس في مناسبة اليوم العالمي للأجداد وكبار السّن 2023
سيحتفل باليوم العالمي الثالث للأجداد وكبار السّن في 23 تموز 2023

الفاتيكان :

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!

 

"ورَحمَتُه مِن جيلٍ إِلى جيلٍ" (لوقا 1، 50): هذا هو موضوع اليوم العالمي الثّالث للأجداد وكبار السّن. إنّه موضوع يُعيدنا إلى لقاءٍ مُبارك، هو اللقاء بين مريم الشّابّة وأليصابات قريبتها المتقدّمة في السّن (راجع لوقا 1، 39-56). أليصابات الممتلئة بالرّوح القدس، وجّهت كلامها إلى والدة الله، وصار كلامها صلاتنا اليوميّة، بعد آلاف السّنين: "مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء، وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ" (الآية 42). والرّوح القدس، الذي كان قَد نزل على مريم، ألهمها بأن تُجيب بِنَشيد تعظّم، الذي أعلنت فيه أنّ رحمة الرّبّ تمتدّ من جيل إلى جيل. الرّوح القدس يبارك ويرافق كلّ لقاءٍ مُثمر بين الأجيال المختلفة، وبين الأجداد والأحفاد، وبين الشّباب وكبار السّن. في الواقع، يريد الله أن يُفرِّح الشّبابُ قلوبَ الكبار، كما صنعت مريم مع أليصابات، وأن يستقوا الحكمة من خبراتهم الحياتيّة. لكن، قبل كلّ شيء، يريد الله ألّا نترك كبار السّن وحدهم، وألّا نضعهم على هامش الحياة، كما يحدث للأسف اليوم كثيرًا.

 

في هذه السّنة، جميلٌ هذا القُرب بين الاحتفال باليوم العالمي للأجداد وكبار السّن واليوم العالمي للشّبيبة، وموضوع كليهما ”وقامت مريم مسرعة“، ”سُرعَة“ مريم (راجع الآية 39) لزيارة أليصابات. ويحملنا هذان اليومان على التّفكير في العلاقة بين الشّباب وكبار السّن. الرّبّ يسوع يأمل، إذا تلاقى الشّباب وكبارَ السّن، أن يقبل الشّباب الدّعوة للحفاظ على الذّاكرة ويعرفوا بأنّهم ينتمون، بفضل كبار السّن، إلى تاريخ أكبر. صداقة شخصٍ مُسنّ تُساعد الشّاب على ألّا يجعل الحياة مسطّحة في الحاضر، وتذكّره أن ليس كلّ شيء يعتمد على قدراته. ولكبار السّن، حضور الشّاب يفتح على الأمل في أنّ ما عاشوه لن يضيع وأنّ أحلامهم ستتحقّق. باختصار، زيارة مريم لأليصابات والوعي بأنّ رحمة الرّبّ تنتقل من جيل إلى آخر يُظهران أنّه لا يمكننا أن نستمرّ - ولا حتّى أن نخلّص أنفسنا – وحدنا، وأنّ تَدخُّل الله يتجلّى دائمًا في الجماعة، في تاريخ الشّعب. ومريم نفسها هي التي قالت ذلك في نشيد تعظّم، وابتهجت بالله الذي صنع عجائب جديدة ومدهشة، ووفى بالوعد الذي قطعه لإبراهيم (راجع الآيات 51-55).

 

لكي نستقبل بشكل أفضل أسلوب عمل الله، علينا أن نتذكّر أنّ الوقت يجب أن نعيشه بملئه، لأنّ الأمور الكبيرة والأحلام الجميلة لا تتحقّق في لحظة، بل بعمليّة نمو وتنضيج: في مسيرة، وحوار، وفي علاقة. لذلك، مَن يُركّز فقط على الأمور الفوريّة، وعلى منفعته الخاصّة التي يريد أن يحقّقها بسرعة وجشع، ويريد ”كلّ شيء وفَورًا“، يفقد رؤيّة عمل الله. عكس ذلك، مشروع حبّ الله يجتاز الماضي والحاضر والمستقبل، ويُعانق الأجيال ويربط بينها. إنّه مشروع يتجاوزنا، ولكن كلّ واحدٍ منّا فيه حاضر ومهمّ، والأهمّ أنّ كلّ واحد مدعوٌ إلى أن يذهب إلى ما أبعد. بالنّسبة للشّباب، عليهم أن يذهبوا إلى أبعد من الأمور الفوريّة، حيث يقيِّده الواقع الافتراضي، الذي يصرف انتباهنا غالبًا عن الواقع الحقيقي. بالنّسبة للمتقدمين في السّن، عليهم ألّا يتوقّفوا عند القِوى التي تَضعُف، وألّا يندموا على الفُرَص الضّائعة. لننظر إلى الأمام! لندع نعمة الله تَصُوغنا وتحرّرنا، من جيل إلى جيل، من الجُمود في العمل ومن البُكاء على الماضي.

 

في اللقاء بين مريم وأليصابات، بين الشّباب وكبار السّن، يرينا الله المستقبل. في الواقع، مسيرة مريم واستقبال أليصابات لها فتحا الأبواب أمام ظهور الخلاص: من خلال عناقهما، تدفّقت رحمته في تاريخ البشريّة بوداعة وفرح. لذلك أودّ أن أدعو كلّ واحد إلى أن يفكّر في ذلك اللقاء، وأكثر من ذلك، إلى أن يغلق عَينَيه ويتخيّل، كما في لقطة سريعة، ذلك العناق بين والدة الإله الشّابة ووالدة القدّيس يوحنّا المعمدان المتقدمة في السّن؛ وأن نعيد الصّورة حيّة في عقلنا وفي قلبنا، لتثبيتها في النّفس مثل أيقونة داخليّة مضيئة.

 

ثمّ أدعوكم إلى أن تنتقلوا من الخيال إلى الواقع لتعملوا شيئًا لعناق الأجداد وكبار السّن. لا نتركهم وحدهم. فحضورهم عزيز في العائلات والجماعات، حضورهم يمنحنا الوعي بأنّنا نتقاسم نفس التّراث وأنّنا جزء من شعب يُحافظ على جذوره. نَعم، كبار السّن هم الذين ينقلون إلينا الانتماء إلى شعب الله المقدّس. لذلك الكنيسة، والمجتمع أيضًا، تحتاج إليهم. فهم يقدّمون إلى الحاضر الماضيّ الضّروريّ لبناء المستقبل. لِنُكرِمَهم، ولا نحرِم أنفسنا من رفقتهم ولا نحرِمهم من رفقتنا، ولا نسمح بإبعادهم!

 

اليوم العالميّ للأجداد وكبار السّن هو علامة رجاء صغيرة ولطيفة لهم وللكنيسة جمعاء. لذلك أجدّد دعوتي إلى الجميع - الأبرشيّات والرّعايا والجمعيّات والجماعات – ليحتفلوا به، ويضعوا في المركز الفرح المتدفّق للقاء متجدّد بين الشّباب والكبار. إليكم أنتم الشّباب الذين تستعدون للانطلاق إلى لشبونة أو الذين تعيشون اليوم العالميّ للشّبيبة في أماكنكم، أودّ أن أقول: قبل أن تنطلقوا، اذهبوا لزيارة أجدادكم، قوموا بزيارة شخص متقدّم في السّن يعيش وحده! صلاته ستحميكم، واحملوا في قلوبكم بركة ذلك اللقاء. وإليكم أنتم كبار السّن أسألكم أن ترافقوا في صلاتكم الشّباب الذين يستعدون للاحتفال باليوم العالميّ للشّبيبة. هؤلاء الشّباب هم جواب الله لرغبتكم، وثمرة ما زرعتموه، وعلامة على أنّ الله لا يتخلّى عن شعبه، بل يجدّد شبابه دائمًا بفيض الرّوح القدس.

 

أيّها الأجداد الأعزّاء، والإخوة والأخوات كبار السّن الأعزّاء، لِتَصِلْ إليكم بركة العناق بين مريم وأليصابات، ولْتَملأ قلوبكم بالسّلام. أبارككم بمودّة. وأنتم، من فضلكم، صلّوا من أجلي.