موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٧ مارس / آذار ٢٠٢٤
تأمل الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الرابع من الزمن الأربعيني ب، 2024
يوحنا 3: 14-21

يوحنا 3: 14-21

بطريرك القدس للاتين :

 

إن مقطع إنجيل اليوم (يوحنا 3: 14-21) هو تلخيص رائع وتحليل جديد وعميق للرحلة التي قمنا بها حتى الآن في زمن الصوم.

 

في الواقع، هناك مفتاحان للفهم رافقونا خلال أيام الآحاد الماضية.

 

الأول هو الوحي: يكشف الله في الفصح عن نفسه بالكامل. في موته وقيامته، نجد الإعلان النهائي لوجهه، حيث يمكننا أن نعرف الله وأن ندخل معه في علاقة.

 

أما الأمر الثاني، الذي تأملناه الأحد الماضي، فهو الانقلاب: يظهر الله لنا بصورة الشخص الذي "قَلَب" طاولات الصيارفة، وهو وجه الله الذي يتناقض تمامًا مع ما يتوقعه العقل البشري.

 

عيد الفصح هو ذروة هذا الانقلاب: يسوع، ابن الله، يموت محبة بالإنسان. وبفضل هذا الحب اللامتناهي، يحدث الانقلاب الذي يخلص، الذي يدوس الموت ويهب حياة.

 

يلتقي يسوع نيقوديموس ليلاً، ويخبره أمرين هامين.

 

الأول هو صعود يسوع (يوحنا 3: 14)، في إشارة إلى الحية في البرية، التي رفعها موسى لكي يجد كل من لدغته الحيات شفاءً وخلاصًا (عد 21: 4-9).

 

لكي نجعل شيئاً ما واضحاً للعيان وأن يراه الجميع، حتى البعيد، لا بد أن نضعه عاليًا.

 

هذا هو الحال مع يسوع: لم يَرفع يسوع نفسه بسبب قدرته، أو لإظهار تفوقه. لقد وقف يسوع عاليًا حتى يتمكن الجميع من رؤيته، ومن رؤية محبته لكل إنسان. الصليب هو ما يريدنا يسوع أن نراه: لا يمكننا أن نعرفه إلا إذا رأيناه معلقاً عليه.

 

وبهذا الانتباه: لا يكفي أن يرتفع يسوع. لكي تشفى عليك أن تنظر إليه، أي أن تلجأ إليه بثقة، أي أن تؤمن به.

 

لأن من ينظر إلى الصليب لا يرى إلا شيئًا واحدًا، وهو عظمة محبة الله للإنسان، واللقاء مع هذا الحب يخلص الإنسان بعمق: من يؤمن فله الحياة الأبدية، ويشترك في حياة الله ذاتها.

 

ولا يقول الصليب سوى هذا: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد" (يو 3: 16).

 

لأول مرة يستخدم يوحنا الإنجيلي الفعل يحب في هذا المقطع. وسيعيد استخدامها في خطاباته الوداعية (يوحنا 14-17). يتضح لنا في هذه المرة أن موضوع المحبة هو الله نفسه. لقد أحب الله العالم كثيراً. لاحقًا سيطلب منا يسوع أن نحب الله وأن نحب بعضنا بعضًا، ولن يكون هذا ممكنًا إلا إن آمنا بأن الله أحبنا أولاً. هذه هي الخطوة الأولى وضرورية ولا غنى عنها.

 

يستخدم فعل الحب مرة الثانية في الآية 19، مشيراً هذه المرة إلى أفعال الرجال. إن الله أحب العالم كثيرًا حتى أنه بذل ابنه كي لا يضل أحد (يو 3، 16)، لكن العالم، على عكس ذلك، أحبوا الظلمة أكثر من النور (يو 3، 19).

 

فهكذا يحب الإنسان أعماله الشريرة، ولا يريد أن يخسرها، فيصبح عبداً لها.

 

الأمر الثاني الذي يعلنه لنا هذا المقطع هو أنه ليس بالضرورة أن يقبل الإنسان محبة الله غير المشروطة، وأن يقبل على نوره. والسبب، بحسب كلمات يسوع، واضح: أولئك الذين يفعلون الشر لا ينفتحون للنور، لتبقى أعمالهم في الظلام (يوحنا 3، 20)، لأنهم لا يريدون تغيير حياتهم؛ ولا أن يرفعوا أعينهم إلى الحية المرفوعة.

 

بقدر ما يظهر يسوع نفسه للعامل، فإن فاعلي الشر يختبئون.

 

لذا، في الختام، يمكننا أن نقول إن شرط النظر إلى الرب، وقبول محبته، هو من خلال النظر إلينا.

 

يكشف الرب عن الشر في قلوبنا، دون دينونة (يوحنا 3: 17). يكشفه ليمكننا من النظر إليه فتشفى قلوبنا.