موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٦ يناير / كانون الثاني ٢٠٢١
الكاردينال كوخ يترأس صلاة الغروب مختتمًا أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين

فاتيكان نيوز :

 

ترأس الكاردينال كورت كوخ، عميد المجلس البابوي لتعزيز وحدة المسيحيين، عصر الاثنين الخامس والعشرين من كانون الثاني، في بازيليك القديس بولس خارج الأسوار، في روما، صلاة الغروب بمناسبة اختتام أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين.

 

وللمناسبة ألقى نيافته كلمة قال فيها: "أثبتوا في محبّتي". يربط يسوع هذا الطلب بصورة الكرمة والأغصان، الصورة الأخيرة التي يقدمها لنا في الأناجيل. إنَّ الرب هو الكرمة، الكرمة "الحقيقية"، التي لا تخون انتظاراتنا، لكنها تبقى أمينة في الحب ولا تخذلنا أبدًا، على الرغم من خطايانا وانقساماتنا. في هذه الكرمة التي هي الله، نُطعَّم نحن المعمّدين جميعًا مثل الأغصان: هذا يعني أنه لا يمكننا أن ننمو ونحمل ثمارًا إلا إذا اتحدنا مع يسوع. والليلة ننظر إلى هذه الوحدة التي لا غنى عنها، والتي لها مستويات عديدة. بالتفكير في الكرمة، يمكننا أن نتخيَّل أنَّ الوحدة تتكون من ثلاث حلقات متحدة المركز، مثل تلك الموجودة في جذع الشجرة.

 

تابع: الحلقة الأولى، تلك التي في الداخل، هي الثبات في يسوع، ومن هنا تبدأ مسيرة كل فرد منا نحو الوحدة. في واقع اليوم السريع والمعقد، من السهل أن نفقد الوجهة، ونسير في اتجاهات أخرى. يشعر الكثيرون بأنهم مُجزَّؤون من الداخل، غير قادرين على إيجاد نقطة ثابتة، وبنية مستقرة في ظروف الحياة المتغيرة. وبالتالي يبين لنا يسوع سر الثبات في الثبات فيه، وفي النص الذي سمعناه هو يكرر هذا المفهوم سبع مرات. في الواقع، هو يعلم أننا "بدونه لا يمكننا أن نفعل شيئًا". ولذلك أوضح لنا كيفية القيام بذلك، إذ أعطانا المثال: كان ينفرد يوميًّا في أماكن مقفرة للصلاة. ونحن بحاجة إلى الصلاة كحاجتنا للماء لنعيش. الصلاة الشخصية، الإقامة مع يسوع، والعبادة، جميع هذه الأمور هي أساس الثبات فيه؛ وهي الطريقة لكي نضع في قلب الرب كل ما يملأ قلوبنا من وآمال ومخاوف وأفراح وأحزان. ولكن وبشكل خاص، إذ نثبت في يسوع في الصلاة، نختبر محبته. وتستمد حياتنا منه الحياة، مثل الغصن الذي يأخذ نسغه من الجذع. هذه هي الوحدة الأولى، استقامتنا الشخصية، عمل النعمة التي ننالها من الثبات في يسوع.
 

أضاف الكاردينال كورت كوخ: أما الدائرة الثانية فهي الوحدة مع المسيحيين. نحن أغصان للكرمة عينها، نحنُ أوانٍ مُستطرِقة: والخير والشر الذي يقوم به كل فرد منا ينسكب على الآخرين. يسري في الحياة الروحية نوع من "قانون الديناميكيات": فبقدر ما نُقيم في الله نقترب من الآخرين وبقدر ما نقترب من الآخرين نُقيم في الله. وهذا يعني أننا إذا صلينا إلى الله بالروح والحق، تنبعث الحاجة إلى محبة الآخرين، ومن ناحية أخرى، "إِذا أَحَبَّ بَعضُنا بَعضًا يقيم الله فينا" (1 يوحنا 4، 12). لا يمكن للصلاة إلا أن تقود إلى الحب، وإلا فستكون مجرّد طقوس سخيفة. في الواقع، لا يمكننا أن نلتقي بيسوع بدون أن نلتقي بجسده، المكون من أعضاء كثيرة، بقدر عدد المعمدين. وإذا كانت عبادتنا حقيقية، فسننمو في محبّة جميع الذين يتبعون يسوع، بغض النظر عن الشركة المسيحية التي ينتمون إليها، لأنهم، حتى وإن لم يكونوا "منا"، لكنّهم له. لكننا نلاحظ أن محبة إخوتنا ليست سهلة، لأن عيوبهم ونواقصهم تظهر على الفور، وتعود إلى أذهاننا جراح الماضي. هنا يأتي لمساعدتنا عمل الآب الذي، وكمزارع خبير، يعرف جيّدًا ما ينبغي فعله: "كُلُّ غُصنٍ فِيَّ لا يُثمِر يَفصِلُه. وكُلُّ غُصنٍ يثُمِر يُقَضِّبُه لِيَكثُرَ ثَمَرُه". الآب يقطع ويُقلِّم؛ لماذا؟ لأنه لكي نحب نحن بحاجة لأن نتجرّد مما يضللنا ويجعلنا ننغلق على ذواتنا، ويمنعنا من أن نحمل الثمار. لذلك لنطلب من الآب أن ينزع منا الأحكام المسبقة ضد الآخرين والتعلق الدنيوي، هذه الأمور التي تمنع الوحدة الكاملة مع جميع أبنائه. وهكذا إذا تطهّرنا المحبة، سنعرف أن نضع في المرتبة الثانية العوائق الأرضية وعقبات الماضي، والتي تصرف انتباهنا اليوم عن الإنجيل.

 

تابع: أما الدائرة الثالثة للوحدة، والأوسع، فهي البشرية جمعاء. في هذا السياق، يمكننا أن نتأمّل حول عمل الروح القدس. في الكرمة التي هي المسيح هو العصارة التي تصل إلى جميع الأجزاء. لكن الروح يهبُّ حيث يشاء وحيثما يريد أن يقود إلى الوحدة. هو يحملنا لكي نحبَّ ليس الذين يحبوننا ويفكرون مثلنا وحسب، وإنما الجميع، كما علمنا يسوع. ويجعلنا قادرين مسامحة الأعداء والظلم الذي نتعرّض له. ويدفعنا إلى لكي نكون فاعلين ومبدعين في الحب. هو يذكرنا بأنَّ قريبنا ليس فقط من يشاركنا قيَمَنا وأفكارنا، ولكننا مدعوون لكي نقترب من الجميع، سامريون صالحون لبشريّة ضعيفة وفقيرة ومتألِّمة، ملقيّةً على دروب العالم ويريد الله أن يرفعها برحمة. ليساعدنا الروح القدس، صانع النعمة، لكي نعيش في المجانيّة، ونحب أيضًا الذين لا يُبادلوننا، لأن الإنجيل يؤتي ثماره في محبّة نقيّة خالية من المصالح. إن الشجرة تُعرف من ثمارها: ومن المحبة المجانيّة، نعرف إذا كنا ننتمي إلى كرمة يسوع.

أردف: يعلّمنا الروح القدس هكذا المحبة الملموسة تجاه جميع الإخوة والأخوات الذين نتشارك معهم البشريّة عينها؛ تلك البشريّة التي وجمعها المسيح به بشكل لا ينفصل، وقال لنا بأننا سنجده على الدوام بين الأشدّ فقرًا والمعوزين. وبخدمتنا لهم معًا سنكتشف مجدّدًا بأننا إخوة وسننمو في الوحدة. يحثنا الروح القدس الذي يجدد وجه الأرض أيضًا لكي نعتني ببيتنا المشترك وللقيام بخيارات شجاعة حول أسلوبنا في العيش والاستهلاك، لأنّ عكس حمل الثمار هو الاستغلال ومن المخجل إهدار الموارد الثمينة التي يفتقر إليها الكثيرون. والروح القدس عينه صانع المسيرة المسكونيّة قد حملنا هذه الليلة لكي نصلّي معًا.

 

وخلص إلى القول: أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، لنبقى متحدين في المسيح: وليجعلنا الروح القدس، الذي أُفيض في قلوبنا، نشعر بأننا أبناء الآب، وإخوة وأخوات بين بعضنا البعض، إخوة وأخوات في العائلة البشرية الواحدة. وليجعلنا الثالوث الأقدس، شركة المحبة، ننمو في الوحدة.