موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٢٦ مارس / آذار ٢٠٢٤
الكاردينال فرناندو فيلوني يكتب: الفصح العيد بين الكلمات والأفعال

ترجمة الخورأسقف غزوان شهارة :

 

هناك مقطع، يعتبر من أهم المقاطع الإنجيليّة، حيث فيه تصبح "كلمة" الرب "فعل" مملوء بمحتوى جديد بحيث يساعدنا على الدخول فصح الرب. إنّ الفعل، كما نعلم، هو دائمًا لغة تعطي القوة للكلمة، وفي كثير من الأحيان تجعلها أكثر إيحاءً.

 

لندخل إلى نص القصة التي يرويها لنا الإنجيلي لوقا: المعلم موجود في أورشليم بمناسبة العيد الذي سيكون فصحه الأخير؛ وكان هو قد تحدث كثيراً عن السهر والحذر من النفاق والخداع. وبينما هو واقفًا في ساحة الهيكل، أراد أن يعلق على فعل يكاد يكون غير ذات أهمية وفي الخفية، وهو تقدمة أرملة فقيرة وعند دخولها بيت الله اعطت بقدر ما تملكه درهمان، وكان كل ما لديها؛ اعتبرها المعلم بادرة محبة جميلة جدًا لذلك المكان الذي كان يعتبر مكان حضور مجد الله المتعالي بين شعبه: شكينة الله؛ وفيما يتعلق بأورشليم، كان يسوع قد تنبأ أيضًا باليوم الذي سوف تتواضع فيه المدينة المقدسة، ويتم تدميرها، وسلب روحانيتها. لقد كان يومًا متعبًا بالنسبة للمعلم، وفي المساء ذهب إلى جانب جبل الزيتون ليصلي مقابل مدينة داود. كل من زار اورشليم يعرف جيدًا هذا المكان المثير للذكريات والذي لا يزال يطل على الأسوار المهيبة وجبل الهيكل.

 

في اليوم التالي، أراد يسوع أن يحتفل بالعشاء الفصحي، فأرسل بطرس ويوحنا لإعداد ما يلزم: مكان وخبز وخمر وأعشاب مرة، قائلاً: "اذهبوا وأعدوا لنا الفصح" (لو 22: 8). إن عيد الفصح اليهودي، الغني جدًا بالرموز لإسرائيل، هو الأخير بالنسبة ليسوع، ولكنه أيضًا مناسبة لـ"حدث" جديد يحمله في قلبه: تأسيس ما سيصبح عيد الفصح السري للكنيسة، "الإفخارستيا": "فلمَّا أَتَتِ السَّاعة جلَسَ هو وَالرُّسُلُ لِلطَّعام. قالَ لَهم: اِشتَهَيتُ شَهْوَةً شديدةً أَن آكُلَ هذا الفِصْحَ مَعَكم قَبلَ أَن أَتأَلَّم. فإِنِّي أَقولُ لَكم: لا آكُلُه بعدَ اليَومِ حتَّى يَتِمَّ في مَلَكوتِ الله. ثُمَّ تَناوَلَ كأساً وشَكَرَ وقال: خُذوا هذا واقتَسِموهُ بَينكم، فإِنِّي أَقولُ لَكم: لن أَشرَبَ بَعدَ اليَومِ مِن عَصيرِ الكَرمَةِ حتَّى يَأتيَ مَلَكوتُ الله. ثُمَّ أَخَذَ خُبْزاً وشَكَرَ وكَسَرَه وناوَلَهُم إِيَّاهُ وقال: هذا هو جَسدي يُبذَلُ مِن أَجلِكُم. إِصنَعوا هذا لِذِكْري. وصنَعَ مِثلَ ذلكَ على الكأسِ بَعدَ العَشاءِ فقال: هذِه الكَأسُ هي العَهدُ الجَديدُ بِدمي الَّذي يُراقُ مِن أَجْلِكم" (لو 22، 14-20).

 

علامة "كسر الخبز" و"أخذ الكأس" ستصبح بصمة الاعتراف بالرب القائم.

 

في عمل يسوع هذا، أصبحت "الكلمة" "فعل" ذات معنى، أي سرًا. سوف تجتمع الكنيسة حوله، وسيعترف المسيحيون بأنفسهم على أنهم كوينونيا، أي جماعة الإيمان بالقائم من بين الأموات، حيث سيكون لكل معمد وجود "كنسي" يرتبط به إلى الأبد. في كلمة يسوع، التي أصبحت إذن فعل، يوجد كل "الرمز الاسراري" الذي يتم تسليمه إلى الكنيسة؛ وبهذا المعنى، في الإيمان، يستقبله كل مؤمن.

 

نحن مدعوون أيضًا هذا العام، مثل بطرس ويوحنا، لتحضير عيد الفصح، عالمين جيدًا أننا مرتبطون ارتباطًا وثيقًا بسر المسيح؛ لا يسعنا إلا أن نصغي إلى دعوة يسوع: "اذهبوا وحضروا… عيد الفصح"، لكي ننخرط روحيًا وعاطفيًا في حدث الرب الجديد بكل جماله وغناه. إن طلب يسوع هذا يهم في الواقع كل معمد.

 

لن يكون هناك أي معنى لكوننا مسيحيين إذا فقدنا المعنى العميق لما نحن عليه وما نرغب في أن نكون عليه؛ إذا لم تكن لدينا الرغبة في عيش فصح الرب ومع الرب. يبقى عيد الفصح هو الحدث الذي يوحد أبدية الله وزمننا في المسيح.

 

هذا العام أيضًا، وعلى الرغم من المآسي التي يعيشها الإسرائيليون والفلسطينيون، والتي تشملنا أيضًا، فإننا نرحب بالدعوة الموجهة إلى بطرس ويوحنا، كلمات الرب هذه التي يترجمها بعد ذلك إلى افعال أسرارية، وليس من باب العادة التي ترافق في كثير من الأحيان أعيادنا السنوية الدينية، ولكن لجعل نعمة عيد الفصح تسري كما لو كانت الذكرى الوحيدة أو حتى الأخيرة في حياتنا. بالنسبة للرسل، في العشاء الأخير مع يسوع قبل آلامه فهموا معنى "العهد" الجديد المبني على سر الموت والقيامة. إن "الفعل" الذي تم القيام به في العشاء الأخير، والذي اصبح معلقا، إذا جاز التعبير، بسبب موت الرب، يستعيد كل ملئه في فصح القيامة ويعود إلى الجماعة الرسولية وإلى الكنيسة كعمل من أعمال نعمة الرب.

 

وبإعادة صياغة تأملات القديس أغسطينوس (في المزمور 60)، يمكننا القول إن يسوع أخذ في نفسه معنى الفصح اليهودي، وأعاده إلينا متجددًا في عهد جديد: أخذ منا ذل الخطيئة ومأساة الموت. وقدم لنا المغفرة ومجد القيامة، مقدمًا إياها لنا في سر الإفخارستيا الجديد.

 

في الثلاثية الفصحية، التي تبدأ بالعشاء الإفخارستي يوم الخميس المقدس (اليوم الأول)، ننضم إلى المعاناة في بستان الزيتون، ونتبع المسيح في الالم والموت والدفن (اليوم الثاني)، ونجعل صمت السبت خاصًا بنا (اليوم الثالث) ونبقى ننتظر فصح القيامة كما قال الرب.

 

عيد فصح سعيد.

 

(نقلا عن موقع البطريركيّة الكلدانيّة)