موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تتّجه عيون أبناء الكنيسة الأرمنيّة الكاثوليكيّة نحو العاصمة الإيطاليّة روما، وذلك عشية الجلسة الافتتاحية للتحقيق الأبرشيّ في حياة وفضائل وقداسة ومعجزات خادم الله الكاردينال غريغوريس بطرس الخامس عشر أغاجانيان، كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك.
وستعقد الجلسة في 28 تشرين الأول، في بازيليك القديس يوحنا في اللاتيران في روما، بحضور بطريرك الأرمن الكاثوليك روفائيل الحادي والعشرون ميناسيان، ونائب البابا العام على أبرشيّة روما الكاردينال أنجلو دي دوناتيس. وتحتضن هذه الأبرشيّة جثمان الكاردينال أغاجانيان، وتحديدًا في كنيسة القديس نيكولا تولينتينو. فيما يتزامن هذا الحدث مع احتفال الكنائس الأرمنيّة بعيد القديس يهوذا تداوس الرسول، باعتباره أول "كاثوليكوس".
هو ذلك الشاب غازاروس، حامل القيم المسيحيّة والأخلاق الحسنة التي نشأ عليها وسط عائلة أرمنيّة ملتزمة، لتحمله كل هذه الصفات ليكون تلميذًا متميزًا، ويقرّر من بعدها أن يقول "نعم" لنداء الرّب، ويسير على خطى السيد المسيح في دعوته الكهنوتيّة، في إكليريكيّة الأرمن الكاثوليك بالعاصمة الإيطاليّة روما.
في أحد الأيام، طلب البابا بيوس العاشر أن يلتقي طلاب إكليريكية الأرمن الكاثوليك. في ذلك اليوم، تطرّق البابا في حديثه عن أرمينيا، وقدّم عددًا من النصائح للطلاب الجدد. وفي ختام كلمته تمنّى قداسته للطلاب أن يصبحوا كهنة في المستقبل، وأساقفة وبطاركة.
وعندما سمع التلميذ الجديد غازاروس هذه الكلمات ابتسم، فلفت نظر البابا بيوس العاشر إليه، وخاطبه بالقول: "إنك تبتسم لأنك ترغب في أن تكون أسقفًا! وأنا أطلب لك من الرّب القدير أن تكون ليس أسقفًا فقطـ، بل بطريركيًا". فكأن كانت الكلمات البابويّة هذه كلمات نبويّة، تتحدّث عن مشيئة الله في مسيرة طوباوي اليوم.
وللمناسبة خصّ غبطة البطريرك روفائيل الحادي والعشرون ميناسيان، بطريرك الأرمن الكاثوليك، موقع أبونا الإلكتروني، بكلمات نابعة من القلب في هذه المناسبة المباركة، حيث حاورناه عن مسيرة التطويب وماذا بعد فتح ملف الدعوة.
قال البطريرك ميناسيان: "إن نمط حياة البطريرك غريغوريس أغاجانيان، منذ أن كان تلميذًا ولغاية أن أصبح كاردينالاً، كانت خاصة. لقد لفتت حياته الاجتماعيّة والروحيّة وحتى السياسيّة، الأنظار. وهذا بشهادة جميع الأشخاص الذين عاشوا معه أو عملوا معه. لقد رأوا فيه صورة الأب الروحي البسيط، الشخص المتواضع والمتديّن، المتميّز بقوة إيمانه. وهنا علينا أن نركز على حياته الروحيّة التي ظهرت بوضوح من خلال أعماله الرسوليّة التي نشهد لها اليوم، ونحن في مسيرة تطويبه هذه، والتي تعتبر من أولى الخطوات التي قادتنا للبدء في هذه المسيرة. ونحن لا نتفاجأ من الشروع فيها فهي استكمال لمسيرة حياة الكاردينال أغاجانيان على الأرض".
واستذكر غبطته أعمال الكارينال أغاجانيان المتميّزة التي أنجزها في حياته الأرضيّة.
وقال: "نستذكر بامتنان كيف بدأ بتشييد المدارس ودور العبادة وافتتاح مراكز لرعاية وحماية الأيتام، والعديد من المؤسّسات الكنسيّة والروحيّة والرهبانيّة. ولعلّ أبرزها تثبيت رهبانيّة القديسة الأم تريزا". ولفت إلى أنّه عند التأمّل في هذه المنجزات "فإنّها تعبّر، وبحق، عن عمق إيماني عاشه أغاجانيان من خلال شهادة الإنسان بالأعمال، كما يقول القديس بولس".
أضاف: "بعد فتح ملف دعوة التطويب في مرحلتها الأبرشيّة، سيتم النظر والبحث في كل ما قام به. ونحن بدورنا في هذه المرحلة سنستمرّ في جمع كل ما يتعلق بحياته من تفاصيل، وأخبار خدمته عن طريق الشهود الذين عاشوا معه، أو من خلال المراجع الخاصة الموثوقة المسجلة التي سبقت مماته أو بعدها".
ولفت غبطته إلى أنّه شهد شخصيًّا العديد من الظواهر "غير الطبيعية".
وقال "لقد عاينتُ إحدى هذه العجائب التي لها معاني كثيرة، مثل جسده الذي بقي يتعرّق لمدة أكثر من ثلاثة أيام بعد وفاته. إنّها إشارة لشيء غير طبيعي. وأكثر من هذا، ونحن نصلي أمام فراشه في لحظات حياته الأخيرة في غرفته، وفجأة سمعنا صوته وهو يقول: "أنا عطشان". وعلى الفور طلب أحد الكهنة من التلاميذ أن يجلبوا له الماء. فما كان منه إلا أن يقول: "إنني لست عطشانًا للماء، إنما عطشان لقداسة نفوسكم".
وحول معنى التطويب وأهميّة توقيته في هذا الزمن، قال البطريرك ميناسيان: إنّ "التطويب ليس فقط في هذا الزمان، فالتطويب لا يزال سائر في الكنيسة الجامعة الرسوليّة، ولكن بقساوة أكثر، حتى تكون الحقيقة ظاهرة بشفافيّة. ففي كل زمان يمنحنا الله مناسبات ليكون لدينا المثال الصالح، ولنسير على درب الأشخاص الذين نذروا نفسهم لخدمة الله، وخاصة عندما يشهدوا للحياة الروحيّة من خلال حياتهم الاجتماعيّة. فلذلك يمكننا أن نفهم معنى وتوقيت هذا التطويب كإشارة أو كمسلك يمنحنا إياه الرّب حتى نجدّد إيماننا ونسلك طريق جديد نحو الله".
وأشار إلى أنّ الكاردينال أغاجانيان "ليس أوّل قديس في الكنيسة الأرمنيّة، فتاريخنا مليء بالشهداء والقديسين. ولا ننسى كل شهداء الإبادة الأرمنيّة، هؤلاء الشهداء الذين فضلوا أن تسفك دماءهم على نكران السيد المسيح".
وأوضح بأنّ "الكاردينال أغاجانيان سلك على درب القداسة ذاتها، بقداسة جديدة في وقتنا الحاضر، من خلال سيرة حياته وأعماله الطيبة. فعندما نعاين الحروب المنتشرة والحقد ، والكراهية التي تنتشر بقساوة في حياتنا، يظهر الكاردينال أغاجانيان كوردة نضرة في صحراء حياتنا الحاليّة، ومن خلال عطره الذي يفوح اليوم يمنحنا الرجاء والخلاص لنحيا من جديد نحو درب القداسة".
تابع: "إنّ الكاردينال أغاجانيان ليس القديس الوحيد الذي يظهر في سماء شرقنا، ففي جميع الكنائس شهداء وقديسين ونسّاك، ولكن هو كان أكثر من ناسك في حياته حيث تجلت روح المسؤولية لديه من خلال كل مراحل حياته، فقد كان متجردًا في حياته من كل مظاهر الغنى في وقت كان يمكنه أن يستغلّ كل شيء، ولكن بقي كما هو ذلك الناسك المتواضع في حياته الشاهد لمحبة الله على الدوام".
وتطرّق غبطته إلى شهادة شقيقته عنه "عندما اكتشفت أن جواربة غالبًا ما تبقى رثة وقديمة منذ أن كان تلميذًا صغيرًا، فحيث كان يقوم بوضع حجرات صغيرة من البحص في قدميه عندما يلبس حذائه حتى يعذب نفسه في سبيل محبة المسيح ، وليبقى يشعر بآلام وأحزان شعبه".
وحول الرسالة التي يقدّمها الكاردينال أغاجانيان للأرمن ولكل المسيحيين في الشرق، قال البطريرك ميناسيان: يعلمنا أن نبقى في هذا الزمن ونعطي خير مثال للآخر، كما كان هو في زمانه، فوقته هو وقتنا. هذا الوقت الذي نعيش نحن فيه الآن، فلا تزال الأحداث المؤثرة في حياته تؤثر في حياتنا الآن. هو ليس ماضيًا بل حاضرًا في حياتنا، فهو من الجيل الجديد، من الجيل الحاضر، الذي يفوح عطر قداسته وسط العالم. وأنا كلي أمل أن يرتفع اسمه في كل مكان ليكون سببًا وطريقًا للمحبة والسلام والتجدّد بالإيمان".
إذًا هو بطريرك الأمس، وقديس الغد كما يتمنى أبناء الكنيسة الأرمنيّة. هو خادم الرب الذي حمل في قلبه آلام شعبه المجروح والمشرّد بعد ويلات الإبادة الأرمنيّة، لتتحوّل هذه الآلام بمسيرة عمله وحياته الصالحة إلى رسالة قيامة بهية تشعّ في ظلمات أيامنا الحاليّة، رغم كل الصعوبات والتجارب التي نعيشها في الشرق الأوسط.
مع علامة الرجاء المباركة هذه التي خصنا الله فيها نكمل رسالتنا، ونحن نحمل قيم وإرث كنيستنا الأرمنيّة الكاثوليكيّة، وغدًا لدينا طوباوي جديد يرتفع اسمه على مذابح الكنيسة لنعلن من جديد أننا شعبٌ ما تعب من الخدمة والشهادة في سبيل نشر كلمة الله لكل بني الدنيا. فهنيئًا للكنيسة الأرمنيّة، وللكنيسة الكاثوليكيّة الجامعة، هذه الفرحة الكبيرة: الكاردينال غريغوريس بطرس الخامس عشر أغاجانيان، بطريرك الأمس، قديس الغد.
ولد الكاردينال أغاجانيان عام 1895 في مدينة أخالتسخا (جورجيا حاليًا). أرسل إلى روما لينهل العلوم الكنسيّة عام 1906، ثم تابع دروس الفلسفة واللاهوت في كلية مجمع انتشار الإيمان، وحاز على شهاده الدكتوراه. سيم كاهنًا في 22 كانون الأول عام 1917 واتخذ لنفسه اسم فرنسيس، ثم عاد إلى بلاده وعيّن كاهنًا لرعية الأرمن الكاثوليك في مدينة تفليس.
عام 1921 اضطر إلى مغادرة بلاده بسبب المضايقات المفروضة على الكنيسة من قبل نظام الحكم الشيوعي، وعاد إلى روما ليشغل منصب مساعد مدير الإكليريكيّة الأرمنيّة الكاثوليكيّة. أصبح مديرًا للإكليريكيّة عام 1932. أرسله البابا بيوس الحادي عشر إلى لبنان ليكون زائرًا رسوليًا إلى دير بزمار، ومنح الدرجة الأسقفيّة عام 1935.
انتخب بطريركًا للأرمن الكاثوليك عام 1937. منحه البابا بيوس الثاني عشر الكارديناليّة عام 1946. عيّن رئيسًا مساعدًا لمجمع انتشار الإيمان عام 1958. وفي عام 1960 عينه البابا يوحنا الثالث والعشرون عميدًا لمجمع انتشار الإيمان. قدّم استقالته كبطريرك للأرمن الكاثوليك عام 1962، وكعميد للمجمع انتشار الإيمان في 1970. توفي في المعهد الحبري الأرمني في العاصمة الإيطاليّة روما في 16 أيار 1971.
- عيّن كأستاذ لاهوت في جامعة انتشار الإيمان. شغل منصب مستشار في المجمع الشرقي، وعضو لجنة تحضير الحق القانوني للكنيسة الشرقي. كما ترأس مجمع الكرادلة الانتخابي بعد وفاة البابا يوحنا الثالث والعشرين عام 1963، وكان حسب بعض الكرادلة على بضع خطوات قليلة ليخلف البابا يوحنا الثالث والشعرين في السدة البابوية، ولم تكن المرة الأولى ليكون مرشحًا قويًا.
- له دور كبير وهام في إعادة بلدة كسب والقرى المجاورة إلى الحكم السوري وإلى أصحابها وأهلها بعد أن سُلخت منهم وضُمّت الى تركيا في العام 1939. كما دافع عن الحقوق السورية في قضية لواء الإسكندرون. وقد دعاه رئيس الجمهورية العربية السورية شكري القوتلي لزيارته في القصر الجمهوري، حيث قلّده وسام أميّة الرفيع عرفانًا من الشعب السوري لمواقف أغاجانيان في الدفاع عن القضايا العربيّة، وخاصة في ما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه.
- عظته المؤثرة في عيد الفصح في عام 1954 التي جاء فيها: "أسفي أن الأرض المقدّسة، حيث بشّر الملائكة بالسّلام ذوي النيّة السَّمِحة للمرّة الأولى، وبثّ المسيح رسالته في المحبّة، غدت بؤرة للنّزاع والفساد، وغدا بضع مئات الألوف من سكّانها الوادعين يرزحون تحت مصيرٍ غير مستقرّ، مصير لاجئين...".
- عينه من قبل قداسة البابا بولس السادس منسقًا أول في المجمع الفاتيكاني الثاني في 14 أيلول 1963. كما رتّب اللقاء التاريخي بين البابا بولس السادس والكاثوليكوس خورين الاوّل، واللقاء الآخر الذي جمع البابا بالكاثوليكوس فازكين الأوّل.