موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الأحد، ٣٠ ابريل / نيسان ٢٠٢٣
الزلزال لا ينتقي ضحاياه

إسلام مايز :

 

شاهَد أغلبُنا آثار ما تحدثه الزلازل من قتلى وجرحى ودمار وخراب، وليس ببعيد عنا زلزال تركيا وسوريا الأخير، وهو ليس آخر الزلازل التي يمكن أن تشهدها منطقتنا هذه من العالم، إذ بلغ عدد ضحايا هذا الزلزال -الذي وقع يوم 6 شباط منذ ما يزيد على شهرين تقريبًا- ما يزيد عن 51 ألف قتيل، و120 ألف مصاب، إضافة إلى الأضرار المالية والمادية التي نتجت منه، وتأثُّر البنية الأساسية التحتية الحيوية للبلدين، فضلًا عن الخسائر الاقتصادية التي قد تطول كثيرًا، إذ يُعدُّ هذا الزلزال من أقوى الزلازل التي جرى تسجيلها على الإطلاق في تركيا وسوريا.

 

قد شهد البَلَدان الزلزال وتوابعه، وأيضًا عاصر مواطنوهما واعتصرت قلوبهم من هول ما عاشوه، خاصة من باتوا تحت الأنقاض أيامًا وليالِيَ. صحيح أننا لسنا أتراكًا أو سوريِّين لنشعر بما شعروا به حينها، لكن يمكننا أن نشعر بأوجاعهم من جراء ما عانوه ولا يزالون، والأموال والمساعدات الإنسانية لن تكون أبدًا أغلى وأعز من ضحكة طفل أو أم أو أب، راح ضحية الزلزال وفُقِد تحت أنقاضه، وأيضًا لن تكون الأموال والمساعدات الإنسانية تعويضًا أبدًا لمن عاشوا عمن فَقَدوا.

 

هناك أسئلة عديدة طرحَتها علينا أزمة الزلازل، وعلينا أن نبحث لها عن إجابات بعد مرور مدة على الحدث، ليس لمجرد الإجابة عن هذه الأسئلة، لكن لكون هذه الأسئلة تعكس أبعاد هذه الأزمة وكيفية التعامل معها وإدارتها ومعالجة آثارها. من هذه الأسئلة: "ما مدى تأثير الزلازل في حياة الناس في كل بلد من البلاد المتأثرة به؟ وما حجم الخسائر البشرية والمادية في كل منها؟ وهل بدأ العمل على خطط مواجهة هذه الكوارث حال تكرارها مرة أخرى؟ وما آليات التدخل الإنساني وأدواته؟ وكيف يجري التعامل مع ضحايا هذه الكوارث والمناطق، وأكثر المواطنين تأثرًا وتضررًا من الزلازل؟ وهل المساعدات الإنسانية كافية؟ وهل تصل إلى مستحقيها؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي ينبغي طرحها، ويلزم الإجابة عنها بصدق، حتى نستطيع التعلم من أخطاء تجربتنا هذه، حتى لا نكررها مرة أخرى عند مجابهة هذه الكوارث حال تكرارها.

 

زلزال تركيا وسوريا لم يفرق بين تركي وسوري، وأيضًا لم يهدم بيوت تركيا وحدها، ولم يقتل مواطني تركيا وحدها، لكنه هدم وقتل وشرد كلًّا من المواطن التركي والسوري على السواء. والمُتابع لِما نُشر عن حجم المساعدات الإنسانية التي وُجِّهت إلى كلا البلدَيْن، يلاحظ تباينًا واضحًا واختلافًا ظاهرًا بينهما، بحيث تجد الجزء الأكبر من المساعدات الإنسانية وُجِّهَ إلى تركيا، في حين الجزء الأقل هو الذي وُجِّه إلى سوريا. وإذا قمت بتحليل مختلف أسباب ذلك: كالأسباب السياسية والاقتصادية والعلاقات بين الدول ودور المنظمات الدولية والتكتلات الاقتصادية أيضًا، تجِدُ أن هذا لا يمكنه أن يكون مبررًا لهذا التباين، ولا يمكن قبول هذا التمييز الجلي لتوجيه المساعدات الإنسانية إلى أي بلد من البلاد المتأثرة من الزلزال وتوابعه.

 

هذا التمييز يدفعنا إلى التفكير فيما يستتبعه أيضًا من آليات توزيع هذه المساعدات الإنسانية، وتوجيهها نحو مَن هم أولى باستحقاقها من غيرهم. فإذا لم يكن ثمة معايير موضوعية في البداية لتوجيهها بصورة عادلة بين كل من البلاد المتأثرة بالزلزال، فكيف يمكن تصديق عدالة تقسيمها فيما بعد داخل كل بلد من هذه البلدان؟ وكيف تأثَّر المجتمع الدولي وغابت عنه قيم العدالة والإنصاف في توجيه هذه المساعدات الإنسانية؟ وكيف يمكننا افتراض عدم غياب هذه القيم أيضًا لدى حكومات هذه الدول، خاصة الدول التي صار التمييز لمصلحتها في استحقاقها للجانب الأكبر من هذه المساعدات الإنسانية؟

 

هذه الكوارث الطبيعية حين تنزل بِبَلد، لا تفرق بين صالح وطالح، بين صغير وكبير، أو بين ذكر وأنثى، بل تحل بهم جميعًا على حد سواء. كذلك الدين لم يفرق بين إنسان وإنسان، ولم يحدد إلى من يوجَّه عمل الخير حصرًا، بل جعله للبشرية جمعاء. لكن الإنسان فعل ويفعل هذا كل يوم، ومع كل كارثة تجده يميز في توجيه عمل الخير إلى شخص دون آخر، وإلى بلد دون آخر، دونما أي مبرر إنساني موضوعي، لكنه غالبًا ما يكون من أجل علاقات ومبررات شخصية وخاصة.

 

الزلزال لا يختار ضحاياه، وأيضًا لا يفرق بينهم. يهدم قصر الغنيِّ، كما يهدم بيت الفقير، ويقتل الصغير والكبير. لهذا، علينا أن نبادر إلى توجيه المساعدات الإنسانية إلى ضحايا الزلزال، على ألا تحكمنا سوى معايير موضوعية في عملية توزيعها من أجل ضمان وصولها إلى مستحقيها، كالأكثر احتياجًا والأكثر تضررًا معًا، ثم الأكثر احتياجًا والأقل تضررًا، ثم الأكثر تضررًا والأقل احتياجًا، وغير ذلك من المعايير الموضوعية الأخرى التي يمكنها أن تجعل عملية توجيه المساعدات الإنسانية أكثر عدالة، بغية الوصول إلى الأكثر استحقاقًا.

 

(تعددية)