موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
البطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل ساكو
قال البطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل الأول ساكو، إن عقلية تقسيم المواطنة إلى درجات أولى وثانية وثالثة ورابعة وخامسة، "سقيمة وعقيمة" وجب معالجتها.
جاء ذلك لدى استضافته في برنامج "حدث اليوم" لقناة رووداو، حيث تحدث البطريرك ساكو عن أن عدد المسيحين في العراق قبل سقوط نظام صدام حسين كان 1.5 مليون مسيحي، لكن هناك الآن تقريبًا نصف مليون مسيحي موزعين في بغداد والبصرة وكركوك وإقليم كوردستان.
وقال: إن "حلم العراقيين كان أن يصبح العراق بعد 2003 بلدًا مزدهرًا فيه الأمان والاستقرار والتقدم والخدمات والاحترام، لكن ما حصل كان على العكس، فطالت المسيحيين الاعتداءات والخطف والاستحواذ على البيوت وتفجير الكنائس"، مشيرًا إلى تفجير 58 كنيسة في بغداد ومحافظات أخرى قبل ظهور داعش، وكانت القمة كنيسة سيدة النجاة، حيث قتل 48 شخصًا وقت الصلاة لتبدأ هجرة المسيحيين من العراق بقوة".
ونوّه إلى أن المسيحيين فقدوا الثقة بالمستقبل والاستقرار والعيش المشترك، "فهاجر المتمكنون إلى الغرب، وبقيت الطبقة الوسطى والفقيرة، ولم يعودوا يشعرون بأن العراق بلدهم، وهم مواطنون كالبقية".
وبيّن أن "وضع كل المواطنين في كوردستان جيد، ليس فقط المسيحيين الذين هم جزء من إقليم كوردستان، فما يعيشه أبناء الإقليم يعيشه الكل، لا يوجد تمييز بين المكونات". وقال "يعيش إقليم كوردستان حالة من الاستقرار والأمان والتقدم المعماري وأيضًا التغيير في الفكر والعقلية وهذا هو المهم، ألا نظل في عقلية القرون الوسطى بأن هذا مسيحي وهذا مسلم وهذا عربي، فالإنسان مواطن، وتجري على الجميع المواطنة المتساوية، فلا طائفية ولا فئوية في إقليم كوردستان، الذي أصبح نموذجاً ينبغي على الباقين الاقتداء به".
وشدد الكاردينال ساكو على أنه "يجب أن يكون هناك دستور مدني يُبنى على المواطنة والعدالة والقانون لكل إنسان، في العراق أو في إقليم كوردستان، ولن يكون هناك مستقبل، إذا ما بنينا نظامًا طائفيًا ومحاصصاتيًا وفئويًا وبنينا حواجزَ بين المواطنين، لأن علينا حينها أن نقرأ السلام على العيش المشترك".
وبخصوص الميليشيات المسلحة المسيحية، أكد الكاردينال ساكو: "نحن لا نعول على الميليشيات المسيحية أو الطائفية، فهذه آذتنا أكثر من غيرها وكانت المانع من رجوع المسيحيين إلى مناطقهم، وفقدهم الثقة بالمستقبل. هذه ليست ثقافتنا، العراق تحول إلى دويلات في ظل الميليشيات، فالعشائر تحافظ على عشائرها والمليشيات على مكوناتها".
وقال: إن ذلك أدى إلى أن "لا توجد إلى اليوم دولة قوية تفرض القانون وهيبتها وسلطتها على المواطنين بالرغم من الإرادة الطيبة للحكومة الحالية، حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي"، مشددًا: "نحن نعول على الحكومة، إن كانت الحكومة المركزية أو حكومة إقليم كوردستان، ولا نعول على ميليشيات فئوية وطائفية".
وبيّن أن ظاهرة الميليشيات "كارثة يجب القضاء عليها ويجب أن تنتهي هذه الفوضى، وأن تكون هناك حكومة تفرض ذاتها من خلال الجيش والشرطة، وينتهي وجود السلاح في الشارع لكي يتمكن المسيحيون من العودة وبناء مناطقهم والتعاون مع مواطنيهم في بناء مستقبل أفضل لهم ولغيرهم".
وبخصوص مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا وفقرة إضافة فقهاء الشريعة إلى هيئة المحكمة، قال الكاردينال ساكو إن "هذه انتكاسة كبيرة وتكريس للطائفية. فأولاً هناك دستور يحمي ثوابت الدين الإسلامي، ولا حاجة إلى فقهاء لأن كل القضاة درسوا الشريعة الإسلامية ويعرفونها وليسوا بحاجة إلى فقهاء أو خبراء. هذا تدخل في القضاء وخطوة سلبية جدًا، لأنه ليس ممكنًا في بلد يشكل المسلمون 95% من سكانه تشريع قوانين تتعارض مع ثوابت الدين الإسلامي، هذا غير معقول وهذا الخوف غير مبرر".
وتمنى البطريرك ساكو على الفقهاء والسياسيين المسلمين "أن يقضوا على الآيديولوجيا التي شوهت الإسلام تحت عباءة الدين الإسلامي، وصارت نوعًا من الإرهاب، إن كانت في صورة داعش أو القاعدة أو غيرهما. ليعمد هؤلاء إلى الحفاظ على سلامة الإسلام وكونه دينًا وليس نظامًا سياسيًا. يجب أن يُفهم هذا. عمل الفقهاء ورجال الدين هو إرشاد الناس وتوجيههم نحو الخير والأخلاق الحميدة، وليس التدخل في السياسة. هذان شيئان منفصلان".
ووجه نصيحة إلى الجميع قائلاً: "إن أردنا التقدم للعراق ولبلدان الشرق الأوسط، فليتعلموا من الغرب الذي عزل الكنيسة في الكنائس وأقام نظامًا مدنيًا علمانيًا، وهذا هو سبب تقدمه الكبير. علينا أن نغادر هذه الثقافة الضيقة وننفتح على العالم الذي صار اليوم قرية رقمية. فالدين سلام مثلما قال البابا، ونحن إخوة علينا أن نمسك بأيدي بعضنا البعض ولا نفرق بيننا".
وبشأن المسيحيين، قال الكاردينال لويس ساكو: "نحن أولاً مواطنون عراقيون، وفي الإقليم مواطنون كوردستانيون، والبابا لم يأت من أجل المسيحيين بل جاء من أجل كل العراقيين ورسم بكلامه ولقاءاته الطريق إلى السلام في العراق وفي المنطقة، وعلى العراقيين ألا يفوتوا هذه الفرصة. فكل الأنظار كانت موجهة إلى العراق، والعراق انفتح على الساحة الدولية، ويجب ألا يعود لينغلق على ذاته وعلى مكوناته وعلى التصنيفات الطائفية. يجب أن ينتهي هذا. فأنا عراقي ولي كل الحقوق والواجبات، ولست عراقيًا من الدرجة الثانية، أنا من الدرجة الأولى كالمسلم. يجب فهم هذا".
وحول مبادرة رئيس الوزراء العراقي الداعية لحوار وطني، قال بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية: "أتمنى من العراقيين وكما دعا رئيس الوزراء إلى حوار وطني، أن يرسموا خارطة طريق، وألا تفوت الحكومة الفرصة، كما فوتت الفرصة بعد سقوط النظام ومظاهرات تشرين. زيارة البابا هذه فرصة بديعة ليغير العراق مساره أمام أنظار العالم كله ويبني دولة بشكل صحيح. دولة مواطنة وليس دولة طوائف".
وقال إن عقلية النظر إلى الآخر "على أنه أدنى أو غريب أو ليس بأخ يجب أن تنتهي. هذه النظرة موجودة وكانت موجودة في زمن صدام، وهي عقلية غريبة جدًا، وإن لم تتغير فسيهاجر العراقيون السنة والكورد والمسيحيون والإيزيديون وحتى الشيعة إلى مكان يُحترمون فيه كمواطنين وكبشر".
وبشأن تفاصيل المحادثات التي جرت بين بابا الفاتيكان والمرجع الشيعي علي السيستاني، قال ساكو: "تحدث البابا والسيستاني عن المواطنة وخدمة الإنسان، وقال السيد (السيستاني) أنا خادم للبشرية ولم أستقبل سياسيين منذ عشر سنين لأن السياسيين خيبوا أملي".
وعن رأيه في مواقف رجال الدين، قال الكاردينال لويس ساكو: "أنا أقول إن موقف رجال الدين يجب أن يكون نبويًا شجاعًا يخلص الإنسان والعراقيين من هذه الحالة البائسة. فإما أن نعيش كمواطنين وكإخوة وأخوات وإما أن ننهي بعضنا البعض ونمضي نحو الهاوية. هناك حاجة إلى صحوة ضمير".
وقال عن تصرفات السياسيين في العراق: "السياسيون يلتفون على ما يقوله السيد (السيستاني) ولا يفعلون كما يقول. يجب أن تكون هناك يقظة ضمير ويقظة للقيم الإنسانية لنعيش كما تعيش هذه البلدان، فحتى في أفريقيا يعيشون أحسن منا. المجتمع الدولي مستعد ليساعد. لكن على أهل البلد أن يساعدوا أنفسهم". وأكد أن الفاتيكان يدعو إلى المواطنة والأخوة الشاملة، و"أنا بالتأكيد أدعو إلى فصل الدين عن الدولة. فبكل صراحة، الدين لا يبني نظامًا سياسيًا بل يبني علاقات بين المؤمنين وبين الله وبين بعضهم البعض".
وفي معرض إشارته إلى دور إقليم كوردستان، قال: "عليه أن يحس بأن له دورًا رياديًا في تغيير هذه العقلية، فقد قطعوا (في إقليم كوردستان) شوطًا كبيرًا. الإقليم اليوم أحسن من كثير من الدول، ويجب أن يكون لهم دور لا أن يكونوا منعزلين يفكرون فقط في أنفسهم، بل عليهم أن يفكروا في العراق ككل، ويساهموا في تغيير هذه الثقافة وهذه العقلية".
"أتمنى من كل قلبي أن تصلح العلاقة بين الإقليم وبين الحكومة المركزية وتكون علاقة صحيحة وبناءة وأخوية، وهذا سينسحب على الكل ولا تكون هناك توترات وشد وجذب بين الاثنين. على إقليم كوردستان أن يشعر بالمسؤولية أيضًا تجاه العراق، وعلى الحكومة المركزية أيضًا أن تعترف بأن لإقليم كوردستان وضعًا خاصًا، وهذا قانوني لأن دستور العراق إتحادي"، حسب البطريرك ساكو.
وتساءل بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية "لماذا نخاف من الاتحادية؟ فكثير من الدول يعيش في ظل القوانين الاتحادية، وأحسن مثال هو سويسرا وألمانيا وغيرهما. لماذا نخاف نحن؟ كما أن هذا كفله الدستور فلنحترمه، وأيضًا لنشعر بغض النظر عن كوننا في الإقليم أو المركز، بأن علينا مسؤولية مشتركة متبادلة".