موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٨ فبراير / شباط ٢٠٢٣
البطريرك ساكو: لسنا هنا عبثًا، بل إننا نحمل رسالة المحبة والرجاء والثقة
الهجرة اختيار أم تهرب؟

الكاردينال لويس روفائيل ساكو :

 

بدأت موجة هجرة المسيحيين بالظهور في المشهد الحياتي من جديد، بسبب تصاعد الازمات واحتدام الصراعات بشكل عشوائي ومثير للقلق، ما سبب انعدام الاستقرار، والخوف من المستقبل، وانعكس بالتالي على حياتهم وحقوقهم وكرامتهم. (حاليًا توجد 1200 عائلة مسيحية مهاجرة في تركيا، 1000 في الأردن و2500 في لبنان). الهجرة ليست بطرًا، بل أحيانًا هي ضرورية لإنقاذ الحياة أمام تهديد موحش وخطر محدق. هنا أقصد ظاهرة الهجرة الجماعية.

 

كانت الهجرة سابقًا تحدث داخل البلد الواحد، أما الآن فقد غدت ظاهرة عالميّة، تجعل الانسان يترك موطنه الاصلي، قالعًا جذورَه، راحلاً الى بلد آخر لا يعرفه، ولا ينتمي اليه. يتخلى المهاجر عن جنسيته واحبته (احيانا عن والديه المسنين)، وذكرياته، مفقرا ومضعفا من تبقى، ليبدء بإعادة حياته وترتيبها، والتأقلم مع وضعه الجديد الذي يختلف عما ألفه، ناهيك عن البعد عن الاهل والشعور القاسي بالغربة، وطول فترة الانتظار في دول الجوار، وغياب فرص العمل، وما يتحمله من تكاليف باهضة لتأمين الحد الأدنى من مستلزمات العيشة.

 

الوطن ركيزة أساسية في حياة الانسان، وله صدى في الأعماق. الوطن هو ارض ىبائه واجداده، هو المكان الذي  يولد فيها الانسان ويكبر ويتعلم. الوطن هو الخيمة التي تحتضن الجميع، هو رمز هويته وتاريخه وتراثه ولغته،  الوطن هو الجماعة التي يرتبط بها بعلاقات وصداقات.. الوطن هو بمثابة الأم والاسرة.. حب الوطن والوفاء له امر طبيعي ومقدس.

 

يعد قرار البقاء أو المغادرة قرارًا شخصيًا وعائليًا تاريخيًّا ومصيريًّا، يجب ان يأتي مدروسا من كل  الجوانب، فعلى المهاجر أن يدرك أنه ليس في رحلة إلى الجنة.. بل أنه سيواجه عدة تحديات وصعوبات من نوع آخر، ربما ستكون أقسى خصوصًا اختلال الحريّة!

 

وهنا تلعب الكنيسة دورًا كبيرًا، اذ عليها  صياغة لاهوت (مفهوم مسيحي) للوطن/ الوطنية ولاهوت للهجرة/الاستقبال، لتوضيح الامور جليًا للمؤمنين، وخلق المزيد من الوعي والتضامن لاتخاذ القرار الصائب، وتجاوز المخاطر التي تنعكس على حياة من قرر المغادرة بلا عودة.

 

وجود المسيحيين في العراق وجود تاريخي، فهم سكانه الاصليون. وجودهم ليس من باب الصدفة، انما هم يحملون رسالة المحبة والرجاء والثقة، وينبغي ان يعمقوا هذا المفهوم ويعرفوا كيف يعيشونه. بالرغم من كل المعاناة والضيق  والأزمات المتراكمة، يجب ألا تدفع الظروف الصعبة المسيحيين إلى الاستسلام أو الهجرة، بل على العكس ينبغي عليهم أن يتشبثوا بأرضهم وتاريخهم وإيمانهم تمثلاً بأجدادهم وآبائهم وقديسيهم. نحن كرعاة نتفهم ظروفهم وقلقهم وخوفهم من المستقبل، لكن هذا يشمل كل العراقيين. وسنبذل كل ما في وسعنا للوقوف الى جانبهم وخدمتهم والدفاع عن حقوقهم وحمايتها.

 

إنّنا نطالب الحكومة العراقية وحكومة اقليم كوردستان الاهتمام ببلدات سهل نينوى وبلدات اقليم كوردستان المسيحية، ذلك من خلال ترسيخ المواطنة، وتطبيق القانون والعدالة، وتوفير الحقوق المدنية التي تساوي بين الجميع، وتوفير الخدمات وفرص العمل، والتعويض عما فقدوه بسبب داعش وغيرها من الحروب الطائفية. إنهم يهاجرون بحثًا عن مستوى أفضل للعيش بامان وكرامة وحرية. لذا هم بحاجة الى تطمينات حكومية تشجعهم على البقاء والتواصل مع مواطنيهم.

 

كما ندعو المجتمع الدولي الى الاهتمام بإعمار مناطقهم وخلق مشاريع استثمار لتشجيع الناس على البقاء والتواصل.

 

بقاء المسيحيين على ارضهم، وتواصلهم مع مواطنيهم في عيش مشترك متناغم هو مسؤولية الجميع.

 

في الختام ندعو جميع المسيحيين ليكونوا أقوياء، وألا يفقدوا الثقة بالله، وبالمستقبل، وبأشخاص رائعين يقفون معهم ويسندونهم.