موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٧ يوليو / تموز ٢٠٢٤
البطريرك الراعي: خدمة الحقيقة واجبة على كلّ مسيحي ومسيحيّة

أبونا :

 

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي قداس الأحد الأول في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، عاونه القيم البطريركي على الجبة وزغرتا إهدن المطران جوزف نفاع، الأب فادي تابت، أمين سر الديوان البطريركي الاب خليل عرب، القيم البطريركي في الديمان الاب طوني الاغا، كاهن رعية الديمان نافذ صعب، وامين سر البطريرك الأب هادي ضو .

 

بعد تلاوة الانجيل المقدس، ألقى غبطته عظة بعنوان: "هوذا فتاي الذي اخترته ... ليصل بالحقّ إلى النصر، وفي إسمه تجعل الأمم رجاءها" (متى 12: 18 و21)، قال فيها: "إطار هذا النصّ الإنجيليّ هو شفاءات يسوع للعديد من المرضى الذين كان يلتقيهم، الأمر الذي أثار غضب الفريسيّين، لأنّ الشعب تركهم وراح يبحث عن يسوع. فامتلأوا غيظًا وحسدًا، وراحوا يتشاورون على قتله. فتّمت فيه كلمة أشعيا النبيّ: "هوذا فتاي الذي اخترته... ليصل بالحقّ إلى النصر، وفي إسمه تجعل الأمم رجاءها" (متى 12: 18 و21). فتبيّن هذه النبوءة أنّ المسيح الآتي لا ينافس أحدًا، ولا يسعى إلى إقصاء أحد، فهو لا يخاصم، ولا يصيح... قصبةً مرضوضة لا يكسر، وفتيلةً مدخّنةٍ لا يطفئ" (متى 12: 19-20). بل ينير جميع الناس بالحقّ، وينصر الحقيقة على الباطل، ويزرع الرجاء في القلوب. هذه هي رسالته، رسالة الكنيسة برعاتها ومؤسّساتها ومؤمنينها".

 

وقال: "بحسب نبوءة أشعيا، المسيح هو فتى الله أي عبدالله من فعل عَبَدَ لا استعبد. هو عابد الله ولذلك هو "حبيبه الذي اختاره، وعنه رضي، وسيجعل روحه عليه فيبشّر الأمم بالحقّ" (متى 12: 18). بهذه الكلمات يحدّد أشعيا هويّته أي مسحة الروح القدس التي تجعله مسيحًا، ورسالته أي تبشير الأمم بالحقيقة المثلّثة: حقيقة الله والإنسان والتاريخ. هذه الهويّة وهذه الرسالة هما هويّة الكنيسة ورسالتها برعاتها ومؤمنيها. وحده يسوع يكشف لنا حقيقة الله، لأنّه "صورة الله الذّي لا يرى" (كول 1: 15)، و"ضياء مجده" (عبر 1: 3)، و"الطريق والحقّ والحياة" (يو 14: 6). وحده يسوع يكشف لنا حقيقة الإنسان. ذلك أنّ سرّ الإنسان لا ينجلي حقًّا إلّا في سرّ الكلمة المتجسّد، الذي يكشف مليًّا للإنسان ذاتيته الحقيقيّة ويكشف له سرّ دعوته (الكنيسة في عالم اليوم، 22). وحده يسوع يكشف لنا حقيقة التاريخ الذي يستمدّ نوره ومعناه من أحداث الخلاص الذي أتمّها يسوع المسيح، والذي ينبغي أن يتماهى مع تاريخ الخلاص".

 

وتابع: "لا تقتصر خدمة الحقيقة على رعاة الكنيسة، بل هي واجبة على كلّ مسيحي ومسيحيّة. فالمسيح – النور الذي "ينير كلّ إنسان آتٍ إلى العالم" (يو 1: 9)، إنّما يصيّره "نورًا في الربّ وابنًا للنور" (أقسس 5: 8)، ويدعوه ليتقدّس بالطاعة للحقّ (1 بط 1: 22). هذه هي أهميّة الوجود المسيحي في أي مكان، ولا سيّما في لبنان وبلدان الشرق الأوسط، حيث تتّسع ظلمة الماديّة والأنانيّة والاستهلاكيّة، وظلمة البغض والحرب والعنف والإرهاب. لقد قبل الشعب المسيحيّ مسحة الروح الذي أُفيض عليه من المسيح-الرأس، بالمعموديّة والميرون، لكي يكون شاهدًا لإنجيل الحقيقة. يعلّم قداسة البابا فرنسيس في إرشاده الرسوليّ "فرح الإنجيل" أنّ المسيحيين هم شعب الله الذي يعلن الإنجيل، "شعب سائر نحو الله مبشّرًا بالإنجيل" (فقرة 111)، "شعب للجميع" منفتح على كلّ الشعوب والثقافات، يدخل معهم بحوار الحقيقة والمحبّة. فالخلاص بالمسيح وهو قمّة الحقيقة، الموجّهة إلى الجميع، لا إلى كائنات متفردة. ليست الحقيقة منفصلة عن واقع حياتنا اليوميّ، وعن شؤوننا الزمنيّة. الوجود نفسه حقيقة تعطيه إطارًا ومقتضيات وحقوقًا وواجبات. هذا نقوله عن الشخص البشريّ، وعن العائلة والمجتمع، عن الكنيسة والدولة، عن الإقتصاد والاجتماع. ولذلك الحقيقة ثقافة ينبغي اكتسابها. لا يحقّ لنا أن نعيش بمعزل عن الحقيقة في كلّ قطاعاتها وأبعادها".

 

وأضاف: "إنّنا في لبنان نعيش أزمة حقيقة. فلا بدَّ من العودة إليها، أوّلًا لكي ينتخب المجلس النيابي رئيسًا للجمهوريّة وفقًا للدستور الواضح والصريح. لا نستطيع البقاء خارج إطار الجقيقة، والعيش في الكذب على بعضنا البعض، فيما وطننا يتلاشى أمام أعيننا بمؤسّساته الدستوريّة. بل علينا أن نعيش ثقافة الحقيقة الواضحة التي لا لبس فيها، فنتصارح ونتصالح بها وعلى ضوئها. وخلص البطريرك الراعي في عظته إلى القول: "فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، كي يقودنا الله إلى الحقيقة التي تجمعنا وتوحّدنا على غنى تنّوعنا وتعدّديتنا الثقافيّة والدينيّة. له المجد والتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين".