موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
خلال مقابلته العامة مع المؤمنين، الأربعاء ١١ كانون الأول، في قاعة بولس السادس في الفاتيكان، اختتم البابا فرنسيس تعليمه حول الروح القدس والكنيسة. وقال للمؤمنين والحجاج إنه يخصص هذا التأمل الأخير للعنوان الذي اختاره لسلسلة التعليم هذه أي "الروح والعروس. الروح القدس يقود شعب الله إلى لقاء يسوع رجائنا".
وأوضح أن هذا العنوان يعود إلى أحد الآيات الأخيرة في الكتاب المقدس، وتحدث عن رؤيا القديس يوحنا والتي جاء فيها: "يَقولُ الرُّوحُ والعَروس: تَعالَ!" (٢٢، ١٧). وتابع البابا فرنسيس متسائلا إلى مَن هو موجَّه هذا التضرع، وقال مجيبا: إلى المسيح القائم. وأضاف أن حسب القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس وأيضا حسبما جاء في نص ديداكي، أي تعليم الرسل، كان الاحتفال الليتورجي للمسيحيين الأوائل يتضمن بالآرامية عبارة "مارانا تا" أي تعالَ أيها الرب. وواصل البابا أن في تلك الفترة القديمة كان لهذا التضرع أساس يمكن أن نسميه اليوم اسكاتولوجي، حيث كان يشكل تعبيرا عن الانتظار المتقد لعودة الرب. ولم ينطفئ في الكنيسة أبدا هذا النداء ولا الانتظار الذي يعبِّر عنه، واصل الأب الأقدس، حيث نواصل اليوم في القداس إعلان موت المسيح وقيامته بانتظار مجيئه. إلا أن هذا لم يبقَ الانتظار الوحيد حيث يضاف إليه أيضا انتظار مجيء المسيح المستمر في حاضر الكنيسة وفي حجها. وفي هذا الانتظار، قال البابا، تفكر الكنيسة في المقام الأول حين تنادي يسوع يحفزها الروح القدس" "تعالَ".
وتحدّث عن حدوث تغير، أو ربما من الأفضل تطور، مفعم بالمعاني فيما يتعلق بنداء الكنيسة هذا، فهو ليس موجه عادةً إلى المسيح وحده بل وأيضا إلى الروح القدس، فمن كان ينادي أي الروح القدس أصبح مَن ينادى ويقال له: تعالَ. وذكَّر البابا فرنسيس هنا بأن كلمة تعال نبدا بها تقريبا كل ابتهالاتنا وصلواتنا على الروح القدس فنقول تعال أيها الروح الخالق تعال أيها الروح القدس. وأضاف أن هذا أمر جيد لأن الروح القدس وبعد القيامة هو مَن يجعل المسيح حاضرا في الكنيسة وعاملا فيها، فالروح القدس هو مَن يخبر بما سيحدث ويجعله منتظَرا ومرجوا، ولهذا فإنه ليس هناك فصل بين المسيح والروح في الخلاص.
تحدث البابا فرنسيس بعد ذلك عن كون الروح القدس دائما ينبوع الرجاء المسيحي. وعاد الأب الأقدس هنا مجددا إلى بولس الرسول وتحديدا إلى ما وصفها البابا بكلمات ثمينة، أي ما كتب القديس بولس في رسالته إلى أهل روما: "ليَغمُرْكُم إِلهُ الرَّجاءِ بِالفَرَحِ والسَّلامِ في الإِيمان لِتَفيضَ نُفوسُكم رجاءً بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُس" (١٥، ١٣). وواصل قداسة البابا إنه في حال نظرنا إلى الكنيسة كمركب فالروح القدس هو شراعها الذي يدفعها ويجعلها تتقدم في بحر التاريخ، اليوم كما في الماضي.
وتوقّف عند كلمة الرجاء فقال إن الرجاء ليس كلمة فارغة أو مجرد أمل مبهم لدينا في أن تسير الأمور بشكل أفضل، بل الرجاء هو يقين لأنه يقوم على أمانة الله لوعوده. ولهذا يسمى الرجاء فضيلة لاهوتية، تابع قداسة البابا، وذلك لأن الله هو مَن ينشره وهو الضامن له. ليس الرجاء فضيلة سلبية تقتصر على انتظار أن تحدث الأشياء، بل هي فضيلة فعالة تساعد على حدوث الأشياء. وأراد البابا فرنسيس الإشارة هنا إلى ما كتب مَن وصفه بشخص كافح من أجل تحرير الفقراء: "الروح القدس هو أصل صرخة الفقراء، إنه القوة المعطاة إلى مَن لا قوة له. هو يقود الكفاح من أجل الحرية وتحقيق الذات بالكامل للشعوب المظلومة".
وشدد على أنه لا يمكن للمسيحي أن يكتفي بأن يكون لديه رجاء بل عليه أن ينشر هذا الرجاء وأن يبذره. وتابع واصفًا الرجاء بالهبة الأجمل التي يمكن للكنيسة ان تقدمها للبشرية باسرها وخاصة في اللحظات التي يبدو فيها وأن كل شيء يدعو إلى إنزال الأشرعة. وواصل البابا فرنسيس مذكرا بدعوة القديس بطرس في رسالته الأولى المسيحيين الأوائل قائلا" "قدِّسوا الرَّبَّ المَسيحَ في قُلوِبكم. وكونوا دائِمًا مُستَعِدِّينَ لأَن تَرُدُّوا على مَن يَطلُبُ مِنكم دَليلَ ما أَنتم علَيه مِنَ الرَّجاء"، إلا أن القديس بطرس قد أضاف هذه التوصية، قال البابا فرنسيس، ألا وهي "ولكِن لِيَكُنْ ذلك بِوَداعَةٍ ووَقار" (١بط ٣، ١٥-١٦). وشدد في هذا السياق على أن لا قوة الحجج هي ما سيقنع الأشخاص بل المحبة التي نتمكن من أن نضعها في هذه الحجج، وهذا هو الأسلوب الأول والأكثر فعالية للبشارة والمنفتح على الجميع، ختم قداسة البابا.