موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في مقابلته العامة مع المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس، الأربعاء 25 حزيران 2025، تحدّث البابا لاون الرابع عشر عن شفاء المرأة المنزوفة وإحياء ابنة يائيرس، رئيس المجمع، في إطار تعليمه في موضوع يسوع المسيح هو رجاؤنا.
وقال: في حادثة إحياء ابنة يائيرس، لم يبقَ يائيرس في البيت يشتكي من مرض ابنته، بل خرج يطلب المساعدة من يسوع. وعندما علم أنّ ابنته قد ماتت، استمرّ في إيمانه ورجائه، لهذا شفى يسوع ابنته وأعادها إلى الحياة، لأنّه هو ربّ الحياة. وبعد أن أقام يسوع الصبيّة من الموت، طلب أن يُطعموها، وهذا يدلّ على قُرب يسوع من واقع حياتنا.
وفي حادثة شفاء المرأة المنزوفة، المُنعزلة عن المجتمع بسبب مرضِها، تابع البابا، نجد إصرارها بأن تقترب من يسوع وتلمس رداءه، لأنّها آمنت أنّها ستنال الشفاء. استطاعت هذه المرأة بأن تتغلّب على مخاوفها، فلمست قلب يسوع، فنالت هي أيضًا الشّفاء. في الحياة يوجد لحظات إحباط، ويوجد الموت أيضًا. أمام كلّ صعابنا، لنذهب إلى يسوع، فهو قادر أن يشفينا، وأن يجعلنا نولد من جديد، لأنّه هو رجاؤنا.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،
نتأمّل اليوم أيضًا في شفاء أجراه يسوع، وهو علامة رجاء. في يسوع قوّة يمكننا نحن أيضًا أن نختبرها عندما نقيم علاقة شخصيّة معه.
من الأمراض المنتشرة كثيرًا في وقتنا التّعب من الحياة: إذ يبدو لنا الواقع معقّدًا جدًّا، وثقيلًا، وصعب المواجهة. لذلك ننطفئ، وننام، ونتوهّم أنّ الأمور ستكون مختلفة عندما نستيقظ. لكن يجب علينا أن نواجه الواقع، ومع يسوع يمكننا أن نفعل ذلك جيّدًا. أحيانًا نشعر بأنّنا مقيّدون بأحكام الآخرين المسبقة، الذين يريدون أن يصنّفوا الآخرين.
يبدو لِي أنّ هذه الحالات تجد صدًى لها في مقطع من إنجيل مرقس، حيث تلتقي قصّتان: قصّة فتاة تبلغ من العمر اثنتَي عشرة سنة، طريحة الفراش تُحتَضَر، وقصّة امرأة تعاني من نزيف منذ اثنتَي عشرة سنة، وتبحث عن يسوع لكي تُشفى (راجع مرقس 5، 21-43).
بين هاتَين الشّخصيّتَين النّسائيّتَين، وضع الإنجيليّ شخصيّة والد الفتاة: لم يبقَ في البيت يشتكي من مرض ابنته، بل خرج وطلب المساعدة. على الرّغم من كونه رئيس المجمع، لم يدّعِ أيَّ امتياز له بسبب مكانته الاجتماعيّة. وعندما اضطرّ لأن ينتظر، لم يفقد صبره، بل ظلّ ينتظر. وعندما قالوا له إنّ ابنته ماتت، وإنّه لم يعد فائدة من إزعاج المعلّم، استمرّ في إيمانه ورجائه.
قاطعت المرأة النّازفة حديث هذا الأب مع يسوع، فقد استطاعت أن تقترب من يسوع وتلمس رداءه (راجع الآية 27). اتّخذت بشجاعة كبيرة قرارًا غيّر حياتها: كان الجميع يقولون لها أن تبقى بعيدة ولا تظهر أمام النّاس. حكموا عليها بأن تبقى متخفّية ومعزولة. أحيانًا، نحن أيضًا يمكننا أن نكون ضحيّة لأحكام الآخرين المسبقة، الذين يحاولون أن يُلبسونا ثوبًا ليس لنا. فنشعر بالإساءة ولا نستطيع أن نتحرّر من تلك الحالة.
سلكت تلك المرأة طريق الخلاص عندما بدأ الإيمان يبرعم في قلبهاـ آمنت أنّ يسوع قادر على أن يشفيها: فوجدت القوّة لتخرج وتبحث عنه، وأرادت فقط أن تلمس رداءه.
كانت جموع كثيرة حول يسوع، وكان أشخاصٌ كثيرون يلمسونه، ومع ذلك لم يحصل لهم شيء. لكن عندما لمست هذه المرأة يسوع، شُفِيَت. أين يكمن الفرق؟ قال القدّيس أغسطينس، على لسان يسوع، عندما شرح هذه الآيات: "الجموع تزدحم حولي، لكنّ الإيمان فقط يلمسني" (عظة 243، 2، 2). هذه هي الحقيقة: في كلّ مرّة نتوجّه فيها إلى يسوع بإيمان، ونلتقي به، تفيض نعمته علينا فورًا. أحيانًا لا ندرك ذلك، لكن نعمته تغمرنا بصورة سريّة وبالحقيقة، ومن الدّاخل تُغيّر حياتنا تدريجيًّا.
ربّما اليوم أيضًا، يقترب أشخاص كثيرون من يسوع بشكل سطحيّ، ودون أن يؤمنوا حقًّا بقدرته. ونحن نطأ أرض كنائسنا بأقدامنا، ولكن ربّما تكون قلوبنا في مكان آخر! هذه المرأة، الصّامتة والمجهولة، تغلّبت على مخاوفها، ولمست قلب يسوع بيدَيها اللتَين كانتا تعتبران نجستَين بسبب المرض. فشعرت للحال بأنّها شُفيت. وقال لها يسوع: "يا ابنَتي، إِيمانُكِ خَلَّصَكِ، فَاذهَبي بِسَلام" (مرقس 5، 34).
في تلك الأثناء، أخبَروا الأب أنّ ابنته قد ماتت. فقال له يسوع: "لا تَخَفْ، آمِنْ فَقَط" (الآية 36). ثمّ ذهب يسوع معه إلى بيته، وحين رأى أنّ الجميع يبكون ويصرخون، قال: "لم تَمُتِ الصَّبِيَّة، وإِنَّما هِيَ نائمة" (الآية 39). ثمّ دخل إلى الغرفة حيث كانت الصّبيّة نائمة، وأخذ بيدها وقال لها: "طَليتا قوم!"، أي: ”يا صَبِيَّة، قومي!“. وقفت الفتاة وبدأت تمشي (راجع الآيتين 41-42). عَمَلُ يسوع هذا يُبَيِّنُ لنا أنّه لا يشفينا فقط من أيّ مرض، بل يقيمنا أيضًا من الموت. بالنّسبة لله، الذي هو الحياة الأبديّة، موت الجسد هو مثل النّوم. أمّا الموت الحقيقيّ، فهو موت النّفس: وهذا ما يجب أن نخاف منه!
ملاحظة أخيرة: بعد أن أقام يسوع الصّبيّة من الموت، قال لوالدَيها بأن يُطعِموها (راجع الآية 43). هذه علامة أخرى واقعيّة على قرب يسوع من إنسانيّتنا. ويمكننا أن نفهمها أيضًا على نحو أعمق، ونسأل أنفسنا: عندما يكون أبناؤنا في أزمة ويحتاجون إلى غذاء روحيّ، هل نعرف أن نعطيهم إيّاه؟ وكيف يمكننا أن نُعطيهم إيّاه، إن كنّا نحن أنفسنا لا نتغذّى من الإنجيل؟
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، يوجد في الحياة لحظات خيبة أمل وإحباط، ويوجد أيضًا خبرة الموت. لنتعلّم من تلك المرأة، ومن ذلك الأب: لنذهب إلى يسوع: فهو قادر أن يشفينا، ويجعلنا نولد من جديد. فيسوع هو رجاؤنا!