موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٣ مارس / آذار ٢٠٢٤
الإنسان

أشخين ديمرجيان :

 

غنيّ عن القول أنّ الإنسان كائن اجتماعيّ بطبعه، وعلاقته مع الآخرين حتميّة، إلاّ إذا عاش منعزلاً في جزيرة نائية مثل "روبنسون كروزو". ويحبّ المرء تكوين علاقات اجتماعيّة وبناء صداقات مع الآخرين. وحاجته للتعبير عن الذات أو في التأثير على محيطه كبيرة. وحق الإنسان في العيش بكرامة يُشكّل الإطار لحقوق أخرى ينبغي أن تكون من نصيب كلّ فرد .

 

ولكن تتبخّر كلّ معاني الكرامة والحرّيّة والأمان وتُصبح في خبر كان، كلّما فقد الإنسان الإحساس بالإنسانيّة. تُرى ما هي أبرز صفات الإنسان الفاضل المثاليّ؟ كانت الإجابات على هذا السؤال كثيرة جداً على مرّ الأجيال. ولكن إحدى هذه الأجوبة قيلت قبل الميلاد بخمسمائة سنة، وأحسب أنّها "بيت القصيد" وأفضل الردود وأهمّها في ذلك العهد.

 

والإجابة التي استوقفتني والتي نحن بصددها اليوم هي تعريف الفيلسوف الصيني "كنفوشيوس" للإنسان: "الإنسان هو ذاك الذي يفكّر بغيره قبل التفكير بنفسه". فلسفة "كنفوشيوس" قائمة على القيم الأخلاقيّة الشخصيّة وعلى وجود سلطات حكوميّة عادلة تخدم الشعوب بعدالة تطبيقاً لمُثُل أخلاقيّة عُليا. ومذهب كنفوشيوس ليس دينًا إنّما أسلوب حياة ونمط حياة من خلال أهداف واقعيّة وسلوك اجتماعي وسلوك سياسي. ويُلقّب كنفوشيوس أيضاً بنبيّ الصين. وإن كان ما قاله عن الإنسان الفرديّ صحيحًا، نجد شبيهه في الكتاب المقدّس حيث يُطلب من المؤمن أن "يحبّ الله ويحبّ قريبه كنفسه"، غير أنّ رغبة كونفوشيوس في وجود شامل لحكومات عادلة ضرب من الخيال.

 

وبعد كنفوشيوس بقرون طويلة، قام كاتب مجهول بتعريف المروءة قائلاً: "الإنسان الحقيقيّ هو خادم الله، وسيّد العالم، وسيّد نفسه". هنالك أوصاف كثيرة غيرها ومتنوّعة، وجميعها تبقى ناقصة، إلاّ إذا شملت واعترفت بالميل الطبيعيّ الذي وضعه الله تعالى في كلّ كائن حيّ: "ذلك الميل الذي يحثّ الإنسان على أن يعامل غيره كما يُحبّ أن يعاملوه".

 

ومهما كان أحدنا -بلا مؤاخذة- فظّاً في علاقاته مع أعضاء عائلته أو أصدقائه أو معارفه أو زملائه في العمل، تبقى فسحة الأمل كبيرة في أن يغيّر ما في داخله، ويهذّب طريقة تعامله مع الآخرين -لو شاء ذلك بمحض ارادته- فيتحوّل رويداً رويدًا الى إنسان لطيف المعشر محبوباً.

 

باستطاعة كلّ فرد أن يُصبح أقرب إلى الكمال والإنسانيّة بكلّ معنى الكلمة لو طبّق في حياته المبدأ الجديد الذي وضعه السيّد المسيح في موعظته على الجبل، حين قال: "وكما تريدون أن يعاملكم الناس فكذلك عاملوهم" (لوقا 6: 31). لكن افعلوا بلا مقابل وبلا تمييز في معاملتكم للّذين تحبّونهم والّذين لا تحبّونهم، لأنّكم "أخذتم مجّانًا (من الربّ) فمجانًا أعطوا" (متّى 10: 8). ثمّ يُطمئننا قائلاً: "الحقّ أقول لكم إنّ أجركم لن يضيع" (متى 10 : 42).

 

 

خاتمة

 

الإنسان الأصيل هو الذي يحمل الآراء المميّزة، ويُبيّن ما يدور في نفسه وذهنه وعواطفه بكلّ وضوح وشفافيّة. هو ذاك الذي يرضى الصالح للآخرين وتتّسم معاملاته وسلوكه بالمروءة والآداب القَائمة على محاسن الأَخلاق والعادات الحميدة. وهو يتصرّف بمروءة وكرامة من أجل الخير العام. ويُحسن إلى الناس بماله وعمله، ويُدافع عن الضعفاء والمظلومين بنخوة وشهامة. وقد دعانا الله إلى الكمال والقداسة، وهما قمّة الإنسانيّة؛ "إنّما إرادة الله تقديس نفوسكم"، و"كونوا قدّيسين" (1بط 1:16).