موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تعيش سورية أيامًا بالغة الأهميّة في تاريخها الحديث، وهي تغيرات لم يختبرها أغلبنا من قبل، نظرًا لأن نظام الأسد قد حكم البلاد منذ 54 عامًا. ومن الواضح أن هذه الحقيقة تربك الناس الذين ما زالوا يشعرون بمشاعر مختلطة من الفرح والارتياح، ولكن أيضًا بالقلق بشأن المستقبل.
بالأمس، بعد الإعلان عن سقوط النظام، كان هناك يوم من الفوضى العارمة في دمشق والمدن الساحلية، حيث وصلت إدارة العمليات العسكرية متأخرة لاستعادة بعض النظام ومنع إطلاق النار والنهب. "كنا خائفين جدًا. نهب وحرائق. حتى أن الأطفال في العاشرة من العمر كانوا يحملون السلاح في الشوارع". هذا ما أخبرني به شاهد يعيش في مدينة جرمانا بالقرب من دمشق. اليوم يبدو الوضع تحت السيطرة. ويعرب العديد من الناس عن قلقهم إزاء تقدم إسرائيل بجيشها إلى الأراضي السورية، واحتلال مدينة القنيطرة وجبل الشيخ. ويخشى البعض حتى أن تغزو إسرائيل كل سورية!
في هذا الصباح كان هناك اجتماع بين جميع الأساقفة وبعض الإكليروس في حلب مع ممثلي السلطات الجديدة. "لقد طلبت السلطات الكنسية في حلب هذا اللقاء "لتبادل التحيات". وقد جرى اللقاء في قاعة رعيتنا (رعية القديس فرنسيس الأسيزي). وكان لدى الإكليروس العديد من الأسئلة التي يريدون طرحها، وقد رد هؤلاء الأشخاص بلهجة ودية للغاية، وأعطوا إجابات ملموسة ومعقولة، وفي الوقت نفسه مليئة بالتفاؤل بشأن مستقبل البلاد.
إنّ الاهتمام الأول في هذه اللحظة، كما قال المسؤول عن الحفاظ على الاتصال بالكنائس - هو ضمان الأمن وتلبية الاحتياجات الأساسية الطارئة، ثم سنشرع في تقديم الخدمات اللازمة حتى تتمكن الأنشطة من استئناف مسارها الطبيعي. وأعلنوا عن افتتاح مطار حلب، في الأيام القليلة المقبلة، لبدء تلقي المساعدات الإنسانية ويطلبون منا حث الأشخاص الذين نعرفهم في الغرب على التفكير في استئناف الرحلات الجوية الدولية، لأن العديد من السوريين يريدون العودة إلى سوريا، على الأقل لرؤية أحبائهم.
وأكدوا لنا أن الكنائس سوف تتمكن من مواصلة كل ما فعلته حتى الآن. وسوف يتم إعادة الممتلكات الكنسية وستواصل المدارس المسيحية الخاصة مهمتها التعليمية لأنها "كانت موجودة قبل الأسد وستكون هناك بعده". أما بالنسبة لمستقبل سوريا، فيقولون إنهم لا يملكون خطة محددة مسبقًا، وكل شيء سوف يعتمد على إرادة الشعب السوري الذي له الحق في تقرير شكل حكومته معًا. وعندما استذكر المطران أنطوان أودو دور المسيحيين في الثقافة العربية، كرروا هذا المفهوم من خلال تذكر أسماء أشهر الكتاب المسيحيين. "أنتم لستم أجانب ولكنكم جزء أساسي من هذا البلد كما نحن أيضًا"، كانت هذه الكلمات التي نطقوا بها في جو هادئ للغاية. بعد الاجتماع التقطنا صورة أمام باب الدير.
لقد صُدم السوريون بصور السجون تحت الأرض التي تم فتحها لتحرير السجناء السياسيين. لا يمكن للصور التي يتم نقلها من أماكن الموت هذه إلا أن تستحضر صور معسكرات الاعتقال النازية. مئات الآلاف من السجناء مدى الحياة بلا محاكم، وبلا أدنى شروط إنسانيّة، وبأدوات تعذيب لا يمكن تصورها، وأشخاص تحولوا إلى أشباح بسبب الجوع والتعذيب. هذا الجرح يُضاف إلى جراح أخرى يعاني منها الشعب السوري. لم تجرؤ العديد من العائلات حتى على القول إن أحد أحبائها اختفى في سجون النظام، أجبرهم الرعب على الصمت، لكن المعاناة في قلوبهم استهلكتهم في الداخل. والآن بعد أن فتحت هذه السجون، يركض الجميع لمعرفة ما إذا كان أحباؤهم لا يزالون على قيد الحياة، أو ما إذا كانت قدراتهم العقلية لا تزال تسمح لهم بالتعرف عليهم.
السوريون، جميعهم، يطالبون الآن بالعدالة، ليس فقط لرجال النظام، بل وأيضًا لأولئك الذين دعموه لسنوات طويلة وحرموا السوريين من أبسط حقوقهم. العدالة حتى لا يتكرر السجن الذي احتجز كل السوريين لأكثر من خمسين عامًا في التاريخ.