موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٣٠ مارس / آذار ٢٠٢١

وكان ملاكٌ وكانت بشارة لأجيالٍ لم تولد بعد

د. ميشال أ. عبس، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

د. ميشال أ. عبس، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

د. ميشال عبس :

 

يومَ أتى ملاكُ الربّ "إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ، إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُل اسْمُهُ يُوسُفُ، وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ"، لم تكن الإنسانيّة لتعلَم خطورة وأفق هذه الزيارة..

 

يوم دَخَلَ الملاكُ على الْمُنْعَمِ عَلَيْهَا وسلّم وَقَالَ "اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النساء" لم تكن لا هي ولا البشريّة تعلم كنْه الزمن الآتي.

 

يوم اضطربت مريم من رؤية الملاك ومن كلامه وفكّرت ما عسى أن تكون هذه التحيّة، لم تكن توقن أنّها على وشك اجتراح زمنٍ جديد لبني البشر.

 

 يوم طمأن الملاك مريم قائلًا لها "لا تخافي يا مريم لأنّك قد وجدت نعمة عند الله وها أنت ستحبلين وتلدين إبنًا وتسمّينه يسوع، وهذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ"، لم يكن أحد ليوقن أنّ هذا الآتي باسم القدير سوف يكون زارع الكرمة التي ستنطلق من أنطاكية - حيث دُعيَ المسيحيّون أولاً، من المشرق لتشمل كلّ المعمورة.

 

يوم وعد الملاك مريم أن "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ" لم نكن نحن، الأجيال التي لم تكن قد ولدت بعد، نعلم علام نحن قادمون.

 

يوم قالت اليصابات لمريم "مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ أحشاءك" كان الباري يتكلّم بلسانها موحيًّا للبشريّة أنّ أوان المنتظر قد آن.

 

يوم قالت مريم "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يتقونه. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ." كانت قد استوعبَت البشارة وأنبأت البشريّة بحلول الكلمة، شمسُ العدلِ، رفيق ثقيلي الأحمال والمتعبين، حامي الضعفاء، صديق المظلومين، شمسُ البرِّ وفادي الجنس البشريّ من نفسه الأمارة بالسوء.

 

لم يكن أحد ليعلم أنّ يوم البشارة هذا سيصبح يومًا أبديًّا جامعًا، تستذكره البشريّة جيلًا بعد جيل ويوحّد بني الإنسان في إجماعٍ عزَّ نظيرُه.

 

يوم البشارة هذا، أصبح في لبنان، منذ أكثر من عقد، عيدًا وطنيًّا جامعًا، يتحلّق حوله اللبنانيّون المشرقيّون ليثبتوا مرّة أخرى أنّ لبنان هو رسالة بقدر ما هو وطن، وهو أيضًا، وسيبقى، نطاق ضمانٍ للفكرِ الحُرّ.