موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أيها الأحبّة، في عيد استشهاد القديس يوحنا المعمدان، نتأمل في رجلٍ جعل من حياته شهادة حيّة للحق، فكان صوته يدوّي في البرية وفي القصور معًا. يوحنا لم يُخدع بالمظاهر ولا بالمناصب، بل قال كلمة الله بجرأة، حتى حين كلّفته رأسه.
كلمة الله أقوى من الخوف
في القراءة الأولى من سفر إرميا (1: 17-19) نسمع الرب يقول: «قُم وكلّمهم بكل ما آمرك به، لا تفزع من وجوههم، لأني معك لأنقذك». هذه الكلمات تلخّص سرّ قوة يوحنا: لم يتكلم من ذاته بل من الله، لذلك لم يخف من وجوه الملوك ولا من السجن ولا من الموت.
أما نحن، فكثيرًا ما نختار الصمت خوفًا من كلام الناس أو خسارة مكانة. يوحنا يذكّرنا أن الحق لا يموت، ومن يضع ثقته بالرب يكون "مدينة حصينة وعمودًا من حديد".
اتكالي عليك يا رب
يرنّم المزمور اليوم: "بك اعتصمت يا رب، فلن أخزى إلى الأبد" (مز 70). يوحنا عاش هذا المزمور بكل قلبه: منذ صباه سلّم نفسه لله، وفي سجنه بقي ثابتًا لأنه وجد ملجأه في الله وحده. هذا يدعونا نحن أيضًا أن نبحث عن أماننا لا في المال ولا في السلطة، بل في الرب الذي هو صخرتنا وحصننا.
التوبة طريق إلى المسيح
القراءة من سفر أعمال الرسل (19: 1-7) تذكّرنا أن معمودية يوحنا كانت معمودية توبة، تمهيدًا للإيمان بالمسيح. يوحنا لم يركّز على ذاته، بل أشار إلى الآتي بعده: «ذاك ينبغي أن يزيد وأني أنا أنقص». التواضع الذي عاشه هو الطريق الأصيل للشهادة.
يوحنا حرّ في السجن… وهيرودس عبد على العرش
في الإنجيل (مرقس 6: 17-29) نرى المفارقة الكبرى: يوحنا في السجن لكنه حرّ، لأنه ثابت في الحق؛ وهيرودس ملك على العرش لكنه عبد لشهواته وخوفه من الناس. هنا نتعلم أن الحرية الحقيقية ليست في السلطة ولا في القرارات، بل في ضمير نقي لا يساوم على الحق.
رسالتنا اليوم
يوحنا يدعونا أن نكون:
أصوات حق في عالمٍ اعتاد الصمت.
أحرارًا لا عبيدًا لمصالحنا أو خوفنا.
شهودًا للمسيح في حياتنا اليومية، بالصدق، والنزاهة، والتواضع.
أيها الأحبة، الحرية الحقيقية تُكلف غاليًا، لكنها تفتح لنا أبواب ملكوت السماء. فلنطلب من الرب أن يمنحنا شجاعة يوحنا، لنشهد للحق في بيوتنا، وأعمالنا، ومجتمعاتنا. ولنردد مع المرنّم: "لساني يُحدث بكرمك، يا رب، وطوال اليوم بخلاصك". آمين.