موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٣ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٤

انتروبولوجيا "ميثة" التأسيسية لصيرورة الوجود اللبناني

الأب البروفسور يوسف مونس

الأب البروفسور يوسف مونس

الأب البروفسور يوسف مونس :

 

ان كلمة "ميثة" le mythe تعني جوابا عقلياً لقضيّة لا يقدر العقل على حلّها وهي كلمة أساسية في تاريخ الشعوب.

 

والكلمة تختلف عن كلمة "أسطورة" legende وعن كلمة خرافة fable أو قصة recit او رواية oman، لذلك نحن نبقيها على حسب كتابتها كما هي ميثة أو mythus.

 

في اساس صيرورة الفكر اللبناني هناك "ميثة" أولى هي "ميثة" طائر الفينيق الذي يحترق ويصبح رمادا ويعود فينبعث ويقوم من رماده.

 

كذلك هو لبنان يحترق ويُدمر ويموت ويعود الى الحياة.

 

"الميثة" الثانية التأسيسية لأنتروبولوجيا صيرورة الوجود اللبناني هي "ميثة" الإله أدونيس، الذي يتحلى بجمال خارق يقتله الوحش في الجبال ويسيل دمه نحو النهر ويموت، لكن من دمه تنبت شقائق النعمان الحمراء وهو يقوم وينبعث الى الحياة مع الربيع، كذلك هو لبنان تقتله وحوش وبرابرة الارض ثم يقوم وينبعث الى الحياة من جديد.

 

أما تتابع الفصول في لبنان فهو واقع جميل يعطي لبيئته سحرا وجمالا يميّزه عن محيطه الجغرافي الصحراوي.

 

وتبقى حكاية الجبلين الاخوة نفرون وعفرون فريدة في لبنان، الأول ينزل الى جبيل ويبحر من هناك تاركا أخاه منغرزا في الجبال ويموت نفرون في الغربة من شوقه الى أخيه عفرون في لبنان، الّذي يبقى صامدا في الجبال ينتظر عودة أخيه من الغربة، من أشتقاق الاسمين نجد لنا معنى: عفرون مثل عفر التراب نفرون مثل نفر وفرّ بعيدا.

 

أما في التيولوجيا المسيحية فحقيقة عذاب وصلب وموت وقيامة السيد المسيح هي الاساس وحجر الزاوية لكل اللاهوت والحياة والايمان المسيحي فهي ليست "ميثة" ولا اسطورة ولا خرافة ولا قصة، بل حقيقة تاريخية واقعية وعليها تقوم الديانة المسيحية ومنها يستمدّ لبنان رجاءه الدائم. بالقيامة والحياة والسلام والمحبة يبقى لبنان واحة حرية وعيش مشترك وقبول للآخر المختلف دينياً وعقيدةً وجنساً وعرقاً وحضارةً وثقافة.

 

هذه الصيرورة تستند الى واقع جغرافي مميز هو قرب الجبل من البحر والسهل بطريقة خاصة تعطي لبنان طقسا جميلا، وطبيعة رائعة، ووجودا على خط الجغرافيا الافقي ٢١ الذي يمر في بيروت ست الدنيا مدينة العلم والثقافة والفنّ والشعر والحبّ والحرية والحياة.

 

وكما قال سفر الرؤيا في الفصل 21، "ثم رأيت سماء جديدة وأرضا جديدة لأنّ السماء الاولى والارض الاولى قد مضتا... وسيمسح كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد لأن الاولى قد مضت".

 

وكذلك في سفر أشعيا فصل 65 عدد 17، لأني ها أنذا خالق سماوات جديدة وأرضا جديدة ولا تذكر الاولى ولا تخطر على بال ولا يسمع فيها بعد صوت بكاء ولا صوت صراخ.

 

وكذلك رسالة القديس بطرس الثانية فصل 3 عدد 13، ولكننا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة وأرضا جديدة يسكن فيها البرّ.

 

حسب هذه النصوص الثلاثة من الكتاب المقدِس نحن ننتظر بعد هذه الايام السوداء سماء جديدة وارضا جديدة وأياما جديدة ولبنانا جديدا والسلام.

 

(النشرة اللبنانية)