موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٨ يوليو / تموز ٢٠٢٥

أهمية القانون الكنسي بحياة المسيحيين في الأردن

المحامية مادلين معدّي

المحامية مادلين معدّي

المحامية مادلين معدّي :

 

بشكل عام القانون الكنسي هو عبارة عن مجموعة القواعد والأنظمة التي تحكم الكنيسة وعلاقتها بالاخرين، تاريخه يعود لقرون طويلة حيث بدأ في العصور الأولى للمسيحية وكان له دور كبير في تنظيم شؤون الكنيسة والأحوال الشخصية للمسيحيين بالعالم، و مع مرور الوقت تطور القانون الكنسي من خلال المجامع الكنسية المختلفة لكافة الطوائف المسيحية من خلال دوائر الكوريا الرومانية بالفاتيكان، محكمة الروتا، الأعراف السائدة وقواعد العدالة المعمول بها والقوانين المدنية الخاصة بكل دولة.

 

فمرجعية القانون الكنسي تعود للكثير من المصادر كمجموعة قوانين الكنائس الشرقية للروم الكاثوليك ومجموعة الحق القانوني الخاص بطائفة اللاتين وقانون (العائلة البيزنطي سابقاً) قانون العائلة المسيحية لبطريكية الروم الارثوذكس المقدسية لعام 2023 (المعدل لقانون العائلة البيزنطي) بالاضافة إلى قانون الاحوال الشخصية للطائفة الانجيلية الاسقفية العربية والاقباط وغيرها من الطوائف على سبيل المثال لا الحصر.

 

وبشكل خاص القانون الكنسي يعتبر حجر الأساس في تنظيم حياة المسيحيين في الأردن، خصوصًا في مجال الأحوال الشخصية. فبينما تعتمد الديانات السماوية الأخرى محاكم خاصة مثل المحاكم الشرعية، فإن الطوائف المسيحية تحتكم إلى قوانينها الكنسية التي تتماشى مع تعاليمها الدينية وتقاليدها الروحية. هذه المنظومة القانونية ليست مجرد أدوات إدارية، بل تُجسد جانبًا من الهوية الدينية والاجتماعية لأبناء الطوائف المسيحية.

 

 

أولًا: دور القانون الكنسي في الحفاظ على الهوية الدينية

 

القانون الكنسي هو امتداد لتعاليم الكنيسة وعقيدتها، ويشكّل مرجعًا رئيسيًا في حياة المسيحيين. من خلاله تُدار شؤون الزواج والطلاق والاسرة بشكل عام والميراث والتبنّي، بما يتماشى مع روح العقيدة المسيحية. وهو ما يتيح للمسيحي أن يعيش تفاصيل حياته اليومية ضمن منظومة قانونية منبثقة من إيمانه، لا مفروضة عليه من خارج محيطه الديني.

 

 

ثانيًا: تنظيم العلاقات الأسرية وحماية الروابط المجتمعية

 

من أهم وظائف القانون الكنسي أنه يُنظّم علاقات الزواج والحضانة والمواريث ضمن منظومة دينية تحترم قدسية الأسرة. فهو يُحدد القانون شروط الزواج الصحيح بحسب الطائفة، ويتيح حلولًا لفسخ أو بطلان الزواج أو الانفصال، وينظم العلاقة بين الأهل والأبناء بعد الانفصال، وكل ذلك ضمن إطار ديني يحاول أن يحفظ التوازن بين الحفاظ على القيم الكنسية ومراعاة مصلحة الأفراد روحيا وإجتماعيا وقانونيا.

 

 

ثالثًا: الحفاظ على وحدة الطائفة وتنظيمها الداخلي

 

القانون الكنسي لا ينظم فقط العلاقات الفردية، بل يسهم أيضًا في تنظيم عمل الطائفة كمؤسسة. فهو يُنظم انتخاب الرعاة والكهنة، ويُحدد صلاحيات المجالس الكنسية، ويُعالج النزاعات بين أبناء الطائفة من خلال لجان التحكيم والمحاكم الخاصة. هذا التنظيم يُعزز من وحدة الطائفة المسيحية ويمنحها قدرة على إدارة شؤونها بكفاءة.

 

 

رابعًا: الربط بين القانون الكنسي والقانون المدني

 

رغم خصوصيته، فإن القانون الكنسي لا يعمل بمعزل عن الدولة. فالأحكام الكنسية تُنفَّذ من خلال المحاكم النظامية، وتُسجَّل العقود مثل الزواج في دائرة الأحوال المدنية. وفي حال التنازع، قد تتدخل المحاكم النظامية لتفسير الأحكام. هذا التعاون يُظهر كيف يتكامل القانون الكنسي مع المنظومة القانونية العامة، ويُساهم في تعزيز مفهوم المواطنة المتساوية ضمن الاختلاف.

 

 

الخاتمة

 

إن أهمية القانون الكنسي لا تكمن فقط في كونه مجموعة من القواعد تنظم الأحوال الشخصية للمسيحيين، بل في كونه حارسًا للهوية والإيمان، ومُعبرًا عن التنوع الديني الذي يُغني المجتمع الأردني. وفي ظل المتغيرات الاجتماعية والحقوقية، يبقى القانون الكنسي مدعوًا لتطوير نفسه، بما يحفظ التقاليد الدينية ويستجيب لحاجات الناس المتجددة لأبناء الطوائف المسيحية برمتها.