موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٣٠ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٢

المغرب والتعايش المشترك

د. عبدالحق عزوزي

د. عبدالحق عزوزي

د. عبدالحق عزوزي :

 

شكل حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش للمنتدى التاسع لتحالف الحضارات، الذي انعقد بمدينة فاس المغربية، حدثاً بارزاً؛ نظراً لقناعته الراسخة بدور المغرب في تعزيز قيم التسامح، ودور مدينة فاس التاريخية في التقريب بين الشعوب والثقافات. وقد نال إعجاب الحضور تدخله عندما أشار إلى بعض الأسماء التاريخية التي تخرجت في جامعة القرويين، وهي من مشارب دينية وحضارية مختلفة، وقد تتلمذوا على أيدي علماء مدينة فاس، وأذكر منهم: دراس بن إسماعيل (ت 357ﻫ 968م) وسيلفيستر (359ﻫ 970م) وأبو عمران الفاسي (430ﻫ 1039م) وابن باجه (533ﻫ 1139م) وابن العربي (543ﻫ 1149م) وابن ميمون الحاخام (567ﻫ 1172م) وابن طفيل (581ﻫ 1185م) وابن رشد (595ﻫ 1198م) وابن زهر (596ﻫ 1200م) وابن سمعون اليهودي (623ه 1226م) وابن بطوطة (770ﻫ 1368م) وابن خلدون (808ﻫ 1406م) وغيرهم ممن اشتهروا عبر القرون وفي كل الأمصار.

 

وفي ورقتي التي أعددتها للجلسة العامة الأولى، قلت إن اختيار المغرب للتعدد الثقافي والديني والعيش المشترك بين جميع مكونات مجتمعه، لا يفرضه سياق سياسي معين، لكنه خيار متجذر في المجتمع المغربي منذ القدم ويرتوي من النموذج الإسلامي المغربي الذي يقوم على الوسطية والاحترام المتبادل، وتؤطره إمارة المؤمنين التي تحفظ الحرية الدينية لجميع الديانات.

 

«أنا أمير للمؤمنين جميعاً»، عبارة قالها العاهل المغربي جلالة الملك محمد السادس خلال مراسم الاستقبال الرسمي لقداسة البابا فرانسيس في 30 أبريل 2019، وأكد فيها أنه مؤتمن على «ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية» بصفته ملكاً للبلاد، مضيفاً: «وأنا بذلك أمير جميع المؤمنين على اختلاف دياناتهم».

 

وقبل 34 عاماً من ذلك التاريخ، زار بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني المملكةَ المغربيةَ، إبان حُكم المغفور له الملك الحسن الثاني.

 

ولأن المحبة من صفات الشخصية المغربية، فقد بادر المغرب بالعمل على القرب من الفئات الأكثر فقراً وهشاشة.. وهذه القيم هي روح وجوهر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقت في المغرب منذ 17 عاماً، وتلكم القيم هي أيضاً في صلب الفلسفة التي ترتكز عليها سياسة الهجرة واللجوء، وهي تنسجم مع الميثاق الدولي للهجرة، الذي تمت المصادقة عليه في يوم 10 ديسمبر 2018 في مدينة مراكش المغربية.

 

كما حافظ دستور المغرب لسنة 2011، وبعناية فائقة، على صيغة تربط في الوقت نفسه بين الطابع الإسلامي للمغرب والحرية الدينية، إذ تعتبر هذه الصيغة أن «الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية» (الفصل 3). فهي صيغة دستورية في غاية الدقة والتسامح وقبول الآخر وبناء الأسرة الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي المشترك بعيداً عن التعصب، ويمكن اعتبار هذه الصيغة الدستورية مدرسة نتمنى أن يتم تكرارها في دساتير عربية وإسلامية أخرى، خاصة وأنه لا تصاحبها أي إحالة على القانون لتنظيم ممارستها أو أي تحفظ على خطر الإخلال بالنظام العام.

 

(الاتحاد الإماراتية)