موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٢ ابريل / نيسان ٢٠٢٥

ترانيم أردنية تراتيل هاشمية

بشار جرار

بشار جرار

بشار جرار :

 

«يا من تنزلت في بيوتهم سور الكتاب ورتّلت ترتيلا».. كلمات لا تنسى، وقد ازدادت ألقا بأداء صاحبها شاعر العراق الكبير الجواهري، يوم ألقاها في عمّان، بين يدي الراحل العظيم، سيدنا الحسين، طيب الله ثراه وكتب مقامه في عليين.

 

خدمت وما زلت في ميادين أحبها، من ضمنها حوار الأديان، سبيلا إلى معرفة الحق وصنع السلام، وكلاهما من صفاته سبحانه. يعلم أحفاد إبراهيم عليه السلام أن السلام غايتنا، السلام القائم على ركزيتي المحبة والخدمة.

 

في أيام العيد ومواسمه إسلاميا ومسيحيا، تطرب الآذان وتطمئنّ القلوب بذكر الله، وتسعد وتسموا وتصفوا النفوس بالإنشاد، بالترانيم والتراتيل. لا يكاد دين، طائفة أو مذهب يخلو من ذلك الجانب الروحي الذي تحركه ألحان الإنشاد وتضبط إيقاعه الكلمات بحضور الموسيقى أو غيابها لا فرق، عندما ينشد العاشق المحب لله سبحانه جلا وعلا: «والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي».. حتى يقول الحلّاج في أشبه ما يكون البلاغ لمن أساء الظن فيه و»كفّره»: «ديني لنفسي ودين الناس للناس».

 

في عيديْ الفطر والأضحى (الكبير)، وعيديْ الميلاد والفصح (الكبير) عيد القيامة المجيد، أتاحت لي الأسفار حضور احتفالات المؤمنين بتلك الأيام المباركة، بحسب ثقافات ولغات ولهجات عدة. أكثر ما شدني تجربتي على ضفتي الأطلسي في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، حيث يوظف القائمون أو الأصح المؤتمنون على رعاية وخدمة بيوت الله، يوظّفون التراث الوطني خدمة للتراث الروحي، أو لعله العكس، أو لنحسن الظن ونقول، لخدمة بعضهما بعضا، ولا ضير في ذلك، «الخير خيرين» كما يقال في العامية.

 

في الجوامع والكنائس العربية بالمهجر، كان لافتا استحواذ اللهجات المصرية واللبنانية ولاحقا العراقية، على تلك المناسبات الاحتفالية الموسمية والأسبوعية. فيما يخص الترانيم، تماما كما هي العظات في الكنائس ومدارس الأحد، غلبت جنسيات الكهنة والقساوسة المصرية واللبنانية، تماما كما استحوذت جنسيات واتجاهات دينية ووطنية وحزبية على المراكز الإسلامية والعربية في المهجر.

 

ما استوقفني هو استيراد ذلك التوجه من المهجر إلى الوطن، حيث عرفت عن قرب وعبر إخوة، أن الظاهرة صارت بين «ترندا» في الدول العربية بحيث غابت الترانيم السورية الأصيلة العتيقة وطغت اللهجتان اللبنانية والمصرية على كنائس في دولة عرف منها العالم كله إفرام الدمشقي «مار إفرام السرياني». القديس إفرام يعدّ أكبر مؤلف وملحن للترانيم في العالم. من ألقابه «قيثارة الروح القدس»، ولا يدانيه في الغرب سوى مؤلف الترانيم الإنجليزي تشارلز وِسْلي الذي كتب أكثر من ستة آلاف وخمسمائة ترنيمة، وهو مؤسس كنيسة «مِثُدِسْت» وتعني النهج أو الطريقة،  القائمة على المنهجية المسيحية الكتابية، وهي أحد أكبر كنائس البروتستانت في بريطانيا وأمريكا.

 

قبل أسابيع، ثارت قضية الدراما الأردنية وتقصير كثيرين بحقها. وقبل أشهر، ثارت قضية أكثر خطورة وهي صناعة المحتوى الوطني الأردني القادر على مواجهة ذباب التفاهة ودبابير البذاءة الإلكترونية. اليوم، توكيدا لهتين القضيتين، أتساءل من على هذا المنبر الكريم -الدستور الغراء- عن المحتوى الأردني المحلي، باللهجات المحكية الأردنية وكثير من مفرداتها عربيّ قحّ ونبطي قحّ كما يقال، كفيل بصياغة وسباكة أجمل الصفائح والمشغولات الذهبية التي تليق بمناجاة أقدس مقدساتنا، الله والوطن.

 

 تراث توفيق النمري، جميل العاص، وميسون الصُّنّاع، وآخرون، زاخر بما يليق بأناشيد وترانيم وتراتيل الأردنيين. تلك همسة أسجيها مع نسمة شوق لنفحة يكرمنا بها شيخ أردني جليل، مسيحي وآخر مسلم، يثري فيه مكتبتنا الوطنية التي لا ريب فيها من الدرر ما يثري الاحتفالات الدينية المقبلة في أعيادنا المباركة.

 

قد يتطلب الأمر تحفيزا من الوزارات ذات العلاقة كالأوقاف والثقافة والإعلام (الاتصال الحكومي)  والتربية والتعليم والسياحة (لا ننسى كنز السياحة الدينية)، لكني من المؤمنين بأولوية القطاع الخاص.. بناء المساجد والكنائس وإعمارها عمل عظيم تكرس من أجلها عشائرنا ومحسنونا، مئات ألوف الدنانير عبر الزكاة والعُشور والصدقات والهبات والوقف الإسلامي والمسيحي. والتفكير في صناعة هذا المحتوى الروحي الوطني الثقافي عظيم أيضا، عابر للحدود والقارات والأهم تتوارثه الأجيال. حتى يومنا هذا ما زالت بعض الكنائس الأمريكية تعرض على المصلين أوقات مختلفة بحسب الطقس التقليدي أو العصري فيما يخص طقوس الصلاة والعظات والتعليم والخدمة بأنواعها الروحية والاجتماعية، بما فيها الترانيم، وكثيرون يتخذون قرارهم بناء على الحنين إلى ترانيم وِسْلي، أو غيرها من المرنمين المعاصرين.

 

في مصر الحبيبة، راجت تسجيلات مصورة عبر منصات التواصل الاجتماعي للفنان الراقي ماجد الكدواني في قراءات بصوته من سفري الأمثال (سيدنا سليمان الحكيم)  ومزامير (سيدنا داوود عليهما السلام) باللهجة المصرية الصعيدية «القُحْ». اكتسب هذا الإنتاج الذكي -غير المكلف ماليا- رواجا كبيرا في دول المهجر خاصة في بلاد العم سام وكندا حيث جالية قبطية كبيرة يحسب حسابها سياسيا وقد تم تمثيلها في إدارة الرئيس دونالد ترامب.

 

ماذا لو سمعنا هذا المحتوى الجميل بصوت الفنان الراقي موسى حجازين «ببحّته» الكركية الحنونة وبعوده المؤابيّ الرنان؟ ماذا لو سمعنا من الفنان الكبير عمر العبداللات مناجاة رمضانية أو دعاء في وقفة عرفة بلسان جلعاديّ «سلطي» مبين؟ أمنية غير مكلفة، قد تعمل على تحقيقها شركة أردنية وطنية أبدعت في حملات الدعاية والإعلان في مواسم رمضانية سابقة من بينها حملة «تَخَيّل» قبل تسلل اللهجات غير الأردنية لسوق الإعلانات في أردننا الحبيب.

 

دامت أناشيدنا وترانيمنا وتراتيلنا أردنية هاشمية..

 

(الدستور الأردنية)