موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٥

القيادة المتجسدة: دروس إنسانية

بقلم :
الأب عماد الطوال - الأردن
الأب عماد الطوال - ماركا الشمالية

الأب عماد الطوال - ماركا الشمالية

 

من خلال قراءتي لكتاب Incarnate Leadership لبيل روبنسون لفتني كيف يمكن تحويل التجربة الروحية والإنسانية في حياة يسوع المسيح إلى مبادئ عملية تصلح لكل قائد في أي مجال كان، الفكرة الجوهرية التي تبرز أن القيادة ليست منصبًا أو سلطة بل رسالة ومسؤولية أخلاقية عميقة.

 

خمس ركائز أساسية للقيادة الإنسانية:

 

1. الوضوح: القائد يحتاج إلى رؤية واضحة يعبّر عنها ببساطة وشفافية، وضوح الرسالة هو البوصلة التي تحمي الجماعة من التشتت والفوضى، في المؤسسات الحديثة الوضوح لا يعني فقط تحديد الأهداف بل أيضًا توضيح القيم التي توجه العمل.

 

2. المبادرة نحو الآخر: القائد الذي ينتظر الناس ليقتربوا منه يبقى بعيدًا عن قلوبهم، أما الذي يبادر بخطوة باتجاههم فإنه يذيب الحواجز ويعيد للقيادة بعدها الإنساني، في بيئة العمل هذه المبادرة يمكن أن تكون عبر الإصغاء الحقيقي أو عبر الحضور بين الفريق بدل الاكتفاء بالمكاتب المغلقة.

 

3. التمكين: القيادة الحقيقية لا تنجح بالاعتماد على الفرد وحده بل بإطلاق طاقات الآخرين، القائد الناجح هو من يزرع الثقة ويمنح الصلاحيات ويخلق مساحات للآخرين كي يبدعوا، وهذا لا يبني مؤسسة أقوى فقط بل يصنع قادة جددًا.

 

4. التواضع والتضحية: في عالم يغلب عليه السعي وراء النفوذ والامتيازات التواضع يصبح قيمة نادرة، القائد المتواضع لا يضع نفسه فوق الفريق بل بينهم، والتضحية جزء من هذا التواضع فهي تجعل القيادة خدمة ومسؤولية قبل أن تكون امتيازًا.

 

5. المحبّة: المحبّة ليست مجرد عاطفة بل مبدأ عملي يوجّه القرارات ويضبط السلوك القيادي، قائد يقود بالمحبّة يبني ثقة عميقة ويترك أثرًا يتجاوز حدود العمل ليصل إلى حياة الناس نفسها.

 

ما يجعل هذه المبادئ مهمّة اليوم أنها تتقاطع مع الاتجاهات الحديثة في الفكر القيادي مثل "القيادة الخادمة" و"القيادة التحويلية"، لكنها تقدّم بُعدًا أعمق وأشمل بعد إنساني وروحي يعيد للقيادة معناها الأصلي.

 

حين يتبنى القادة هذه المبادئ في السياسة والاقتصاد والتعليم أو حتى في الحياة اليومية يصبح دورهم أكبر من إدارة مهام أو تحقيق أرباح يصبحون بناة ثقة وحَملة رسالة وصانعي أثر طويل الأمد.

 

يقول نيلسون مانديلا "القائد الجيد هو راعٍ يبقى خلف القطيع يترك الأكثر حيوية يتقدّمون وحينها يتبعه الباقون دون أن يشعروا أنهم دُفعوا" فالقيادة ليست سلطة تُمارس من فوق بل مسيرة تُعاش مع الآخرين، قائد واضح الرؤية، مبادر، مُمكّن، متواضع، وموجَّه بالمحبّة هو نموذج نحتاجه أكثر من أي وقت مضى في عالم يزداد تعقيدًا وانقسامًا.