موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٣ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٥

من الجيد إلى العظيم: رحلة القائد نحو التميز

بقلم :
الأب عماد الطوال - الأردن
الاب عماد الطوال - ماركا الشمالية

الاب عماد الطوال - ماركا الشمالية

 

في عالم الإدارة، لا تُقاس القيادة العظيمة بعدد القرارات بل بنوعية الأشخاص الذين يلهمهم القائد وكيف يقودهم نحو رؤية مشتركة، في كتابه الشهير "من جيد إلى عظيم", يكشف جيم كولينز أن التحول الحقيقي في المؤسسات لا يبدأ بالخطط أو الموارد، بل بالأشخاص الذين يقودونها وبالقيم التي تجمعهم، ومن هنا تنطلق رحلة القائد من الجيد إلى العظيم، رحلة وعي، واختيار، وبناء فريق يؤمن بالفكرة قبل الوجهة.

 

القيادة تُمارس من الداخل لا من الأعلى: لطالما ارتبط منصب المدير بالمكتب الفخم والقرارات الصادرة من برجٍ عالٍ، وكأن القيادة تترسّخ بعلو المكان، غير أن القائد العظيم لا يقود من فوق، بل من بين الناس، ينزل الى الميدان ويعيش تفاصيل العمل، يتفاعل مع فريقه ويشاركهم التحدي والإنجاز، فالقيادة ليست لقبًا يُمنح، بل مسؤولية تُمارَس، القائد العظيم يُقاس بأثره، وبالرؤية التي يحملها، وبالطريقة التي يختار بها الأشخاص، ويقودهم نحو تحقيق الأفضل.

 

الفريق أولاً ثم الاتجاه: من أعمق الدروس القيادية التي يقدّمها جيم كولينز في كتابه "من جيد إلى عظيم"، أن الانطلاق نحو التميز لا يبدأ بتحديد الوجهة، بل بتحديد من سيكون في الرحلة، القائد العظيم لا يسأل أولاً إلى أين سنذهب؟ بل يسأل من سيذهب معنا؟ فالفريق المناسب قادر على تحويل أي طريق إلى طريق نجاح، بينما الفريق الخطأ يجعل أوضح الطرق مليئة بالعقبات.

 

ثقافة الانضباط لا ثقافة الأوامر: من أهم سمات القيادة الناضجة أنها لا تقوم على المراقبة الدقيقة لكل صغيرة وكبيرة، بل على بناء ثقافة الانضباط الذاتي، القائد العظيم يثق في فريقه لأنه اختاره بعناية، ووضع له معايير واضحة، ثم منحه الحرية المسؤولة للعمل والإبداع، فبين الحرية والانضباط تتولّد الطاقة التي تدفع المؤسسة إلى التميز والاستدامة، ثقافة الانضباط هذه لا تعني الفوضى، بل هي توازن بين الحرية والمسؤولية، تؤدي في النهاية إلى أداء متفوق ومستدام.

 

الصرامة العادلة: الصرامة الإدارية ليست قسوة، بل هي شجاعة ممزوجة بالعدالة، المدير الفعّال لا يتردّد في مواجهة القصور، لكنه يفعل ذلك بإنسانية واحترام، فالقسوة تزرع الخوف، أما الصرامة المنصفة فتزرع الانتماء، القائد الحكيم يدرك أن الهدف ليس العقوبة، بل النمو.

 

بين المرآة والنافذة: من أجمل الصور التي يقدمها كولينز في كتابه، هي تلك التي تصف كيف يتعامل القائد مع النجاح والفشل، فالقائد العظيم ينظر من النافذة عند تحقيق النجاح فينسب الفضل إلى فريقه والظروف والفرص، وعند الفشل ينظر في المرآة، فيحمّل نفسه المسؤولية، أما القائد الضعيف فيفعل العكس، ينسب النجاح لنفسه ويلقي اللوم على غيره عند الإخفاق.

 

القيادة رسالة لا منصب: في نهاية المطاف، ليست المقاعد أو المكاتب هي ما تصنع القادة، بل الأشخاص أنفسهم، القيادة ليست صخبًا ولا كاريزما زائفة، بل التزام هادئ، ورؤية واضحة، ونتائج ملموسة، القائد العظيم لا يبحث عن الأضواء، بل يصنعها في الآخرين، إنه من يزرع القيم في فريقه، ويرى في كل فرد شريكًا في الحلم، لا مجرد راكب في الحافلة.

 

في رحلة القيادة، ليس المطلوب أن تكون لديك كل الإجابات، بل أن تعرف كيف تختار من يسأل الأسئلة الصحيحة، ويكون شريكًا حقيقيًا في النجاح، والاهم، أن القيادة الحقيقية لا تُمارس من برج عاجي، بل من مقعد متواضع بين الناس، إنها رؤية ومسؤولية، وفن تحويل الإمكانات العادية إلى إنجازات عظيمة من خلال أشخاص استثنائيين يقودهم قائد يرى في كل فرد منهم شريكًا في الطريق، لا مجرد راكب في الحافلة.

 

في النهاية القيادة ليست رحلة نحو الألقاب بل نحو الأثر، فحين يرى القائد في كل معلم شريكًا وفي كل طالب مشروع نجاح، تصبح المدرسة حافلة تمضي بثبات من الجيد إلى العظيم.