موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
التقطت قلمي وبدأت أخط على ورقة أمامي.. شدتني كلمات ألقاها على مسامعي رجل يكبرني عمراً وعلماً... بدأ يتكلم قائلاً: "يا بنيتي الحياة مرة وحلوة... لو كانت حلوة فقط لما أحسسنا بها... وإذا هي فقط مرة... فما من أحد يستطيع العيش.. أكد كلماته وقال: "لذلك هي مرة وحلوة", بدا رافع الرأس وقد أقفل عينيه وبدا يحكيها من جديد: الحياة حلوة ومرة يا ابنتي", بالرغم من أنها كلمات محكية وبسيطة وصوتها مألوف على ذاكرة أذني, لكنها البارحة كانت تختلف, تختلف كثيراً, بقيت استمع لحديثه وقد خيم عليّ صمت, وبدأت أفكاري تتزاحم, وعيناي ملئت نظرة سماوية الصدى, هو ما زال يتكلم... وأنا وجدت على هذه الكلمات أنها تختلف في ضوء ما نعيش.. تلتحم وكياننا بطبيعة ما نتذوق من حلو ومر، ونستنشقها بهواء جديد كان قد أنسانا رياح ماض حلوة كانت أم مرة. ابتسمت في قلبي وواصلت الإصغاء وكان إصغائي عميقاً متحداً بلغز أخفيته بوجداني... ما أضعت كلمة من حكاياته, تفرست بها كلمة كلمة... لا بل حرفاً حرفاً, راقبت جميع أصوات يديه وهي تتحرك حسبما يفلت كلماته تلك التي أيقظت فجر رغبتي في المزيد... منها ما طلبت تكرارها.. فقد كان مختلف اللهجة.. وكنت عندما أعرف معناها... اصمت واضحك... سألته الاستمرار... أنجذبت لعيون قصصه... رحت أقطفها والذي أعجبني أعجبني.. لمللمته وسارعت مزجه لألوان لوحة الحياة التي ما زلت أرسمها وأشكل حركات جملها. تبادلنا الحديث.. حتى انه أصبح يسرد حكاياته ويسلسل أقواله على هيئة سؤال... حتى أشاركه الكلام, وأسارع بالإجابة محترسة في نبض جواباتي.. لأني طمعت بالإصغاء التام وألفته على أن أتكلم, كنت القي جوابي وأحرص لأعود بعجلة لصمتي حتى لا يفوتني شيء... أتدرون أني صلّيت لمثل هذه اللحظة... لحظة انتظرتها بشوق, لأن فرصة مثل هذه تبعدني عن ازدحام الملل الذي أصاب الناس حولي... ملل أضحعني في ملل كان قد أحزنني كثيراً... هذه هي عادتي فأنا أتقن الاستمتاع في رواية ما يحدث معي... كانت إجاباتي تعجبه واعتقد أن هذا ما جعله يطاول جلسته بحديثه... أنهى بأنه سألني عن اسمي وماذا افعل... عقّب كلامي معرفاً بنفسه وقال انه أستاذ جامعي لكنّ حُلمي كان أن أصبح موسيقياً.. سعدت بما قال... شعرت أن حلمه فعلاً كان صادق الملمس لأنه عرّف عن مهنته وألصقها بطرح حلمه... ذكر أنه يحب الفن وما زال.. وقال أنه يسر بالخواطر وبكتاباتها... أفرحني ذلك كثيراً... لأنه بذلك يشبهني... هو أطلق سلامه وودعني وأنا دخلت في سوؤلات كثيرة... ذهب ورجعت لمكاني مبهجة الخاطر... كنت أفكر كيف كان هذا اللقاء مؤثر الصنع.. للأكثرية هو لقاء كغيره... عادي... أما أنا فضحكتي تجددت بعدما ملأت بغبار أفكار الأغلبية... قيدت بسطحيتهم وروتينهم الساذج... توارى ذاك الذبول وبدأت أسوق أغنيتي مجدداً.. أغنيتي في الأمل.. أسكبني ذاك اللقاء موجاً انهض قلمي وأصهر مشاعراً كانت قد تجمدت.. كان ذاك اللقاء سراً من أسرار الحياة.. فأنا بنظري الحياة كتلة لانهائية من الأسرار.. ومباركٌ من يطارها ويدرك غموضاً منها. ويبقى هناك أمل... أمل في كل شيء حتى يتجلى مجداً آخر يحّي سلام هذه الحياة. لحقت نقطة النهاية هنا بابتسامة عميقة ورقصة روحية... فهذا ما ينتابني لحظة أنهي كتابة حكاية ولدت للتو.