موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
فصل شريف من بشارة القديس لوقا (لوقا 19: 1 -10) في ذلك الزمان فيما يسوع مجتازٌ في اريحا اذا برجُل اسمهُ زكَّـا كان رئيسًا على العشَّارين وكان غنيًّا * وكان يلتمِسُ أن يرى يسوعَ مَن هو فلم يكن يستطيعُ من الجمع لانَّـهُ كان قصيرَ القامة * فتقدَّم مسرعًا وصعِد الى جمَّيزةٍ لَينظرَهُ لانَّـهُ كان مُزمِعًا ان يَجتازَ بها * فلَّما انتهى يسوعُ الى الموضع رفع طَرْفَهُ فرآهُ فقال لهُ يا زكَّـا أَسِرعِ انزِلْ فاليومَ ينبغي لي ان امكُث في بيتك * فأسرعَ ونزَلَ وقبِلهُ فرحًا * فلمـَّا رأَى الجميعُ ذلك تذمَّروا قائلين انَّهُ دخل ليحُلَّ عند رجلٍ خاطىء * فوقف زكـَّاوقال ليسوعَ هاءَنذا يا ربُّ أُعطي المساكينَ نِصْفَ أَمْوالي . وان كنتُ قد غَبَنْتُ احدًا في شيءٍ أَرُدُّ اربعةَ أَضعافٍ * فقال لهُ يسوع اليومَ قد حصل الخلاصُ لهذا البيتِ لانـه هو ايضًا ابنُ إبراهيم * لانَّ ابنَ البشرِ انـمَّا اتى ليَطلبَ ويُخَلصَ ما قد هلك. بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين. أيها الأحباء، العشارون هم طائفة الجباة وكانوا يستوفون أكثر من الجزية المقررة ويأخذونها لأنفسهم (لو 13:3). ولذلك كرههم اليهود وأسموهم لصوصاً. ولذلك تبرم اليهود إذ قبل السيد دخول بيت زكا. والرب دخل بيت زكا دون أن يسأله فهو عارف بما في القلوب. "يا زكّا أسرع وانزل لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك " هكذا توجه السيد المسيح نحو زكا العشّار الغني كما سمعنا في انجيل اليوم. كلمات تعبّر عن إرادة المسيح لزيارة زكا وعن حاجة زكا لهذه الزيارة. المسيح يريد أن يزور بيت زكا لأنه يعرف أن تحولاً سيتم في هذا البيت، ويعرف أن زكا سيطلب الاعتذار من الجميع واعتذاره سيكون بالعمل لا بالكلام إذ سيُعيد كل أموال الظلم التي حصل عليها في الماضي. زكا ففي إنسحاقه وفي إشتياقه لرؤية السيد كان مستعداً. فدخل يسوع بيته. هنا نرى جزاء قبول يسوع في حياتنا، وجزاء إشتياقنا له، بينما نحن شاعرين بعدم الإستحقاق، هنا يدخل يسوع قلوبنا فتصير سماء، ويغفر لنا خطايانا ونفوز بالخلاص، فهل نشتاق لخلاص يسوع مثل زكا. هكذا نلاحظ أن للمسيح طُرقاً مختلفة ليتعامل فيها مع الإنسان، فهو لا يهتم بالشكل الخارجي الخدّاع، فهذه الأمور الخارجية المنظورة كثيراً ما تخدع البشر وتجعلهم يتفاخرون ويتكّبرون، أما بالنسبة للمسيح فهذه تبقى بعيدة عن الاهتمام، لأنه يبحث عن تلك الأشياء الداخلية التي تكشف معدن الإنسان وحقيقته، وهو يهتم بنوعية البشر لا بأعدادهم، لهذا لا يهتم للمظاهر العالمية أو للمقدرات البشرية أو التطبيق الحرفي للناموس. وعندما يعترف الإنسان بخطاياه ويطلب الغفران فإن الله لا يحاسبه على ماضيه المغفور لأن هذا الماضي يعتبر عائق للحصول على غد أفضل، إلا إذا كان سبباً لتوبة لا تنقطع، وبالاعتراف تنفتح للإنسان طرقاً وإمكانيات ليحقق ولادة داخلية جديدة و به يطلب العفو والغفران بتواضع ليعود لله. ربما قصر قامة زكا تشير لأن إيمانه كان ضعيفاً، ولكنه بإشتياقه صار مضيفاً للرب، وبتوبته صار مسكنه قصراً سمائياً يدخله الرب، لقد مُنِحَ زكا مجداً عظيماً. كان حضور المسيح إلى منزل زكا دافعاً ليطلب الأخير الاعتذار وليمارس التواضع والتوبة وليعود لله كابن ضال، هو تمسّك بالفرصة التي أُعطيت له وتجاوز كلَّ ضعفاته البشرية مُعترفاً بأخطائه مُبطلاً ظلمه للناس و بالنتيجة أصبح يرى الآخرين بنظرة مختلفة، ليس كفرصة ليقتنصها وليستغلّها ويتاجر بها إنما ليكونوا سبباً لممارسة الرحمة والمحبة لأنهم بنتيجة معرفته للمسيح وتوبته أصبحوا إخوة له. فوقف زكا وقال للرب: "ها أنا يا رب أُعطي أموالي للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف". حضور المسيح وتوبة زكا كانا العنصران الكافيان لحدوث التحول عند زكا ولإشتعال النور بداخله نور العدل والحق الغير العقلي. فزكا يعرف قول أشعياء النبي: "لأنه حينما تكون أحكامك في الأرض يتعلم سكان المسكونة العدل". يأخذ زكا أمام المسيح وكل الحشد مسؤولية رسمية كبيرة، وبإرادته الحرّة، بأن يقرر توزيع نصف أملاكه برحمة وأن يعيد لكل شخصه ظلمه أربعة أضعاف ويأخذ هذا القرار لأنه تاب بحضور المسيح إلى بيته. قصة زكا العشار فتحت باب الرجاء والأمل لكل خاطئ، حين يعود بالتوبة مشتاقاً للمسيح، يدخل المسيح إلى قلبه، ويقبله ويغفر خطاياه. صار زكا هنا تطبيقاً حياً لمثل الفريسي والعشار، فهو صار مقبولاً ونال الخلاص مثل ذلك العشار الذي قال عنه السيد المسيح "نزل إلى بيته مبرراً". العطاء الذي قدّمه زكريا كان فوري لم يقل سأترك أموالي للفقراء من بعد مماتي بل الآن سأعطيهم. بهذا العمل يؤكد لنا بأن التوبة الحقيقة وطلب الغفران لا يمكنهم الانتظار فلا تتأجل للمستقبل بل تتطلب عملي فوري وآني. وبنفس الطريقة علينا إصلاح كل عمل سيء أو ظالم قمنا به أي بشكل فوري. إخوتي الأحباء، المسيح يدعونا بكلامه: "أسرع وانزل لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك". هل يوجد تقدير وإكرام أفضل من هذا؟ للمسيح رغبة دائمة أن يأتي إلى بيتنا! وأن يبقى بقربنا! لا ليترك في البيت حزن بل بركة، لا ليترك مشاكل واضطراب بل مع بركته يفتح قلوبنا لنستطيع أن نحب أكثر. يقدم بركةً ومحبةً وخلاصاً كما قدّم لزكّا “اليوم حصل خلاصٌ لهذا البيت” هو يقدّم كل شيء وإنما بالمقابل ينتظر ماذا سيكون جوابنا هل سندعوه أن يدخل بيتنا؟. زكّا أجاب، إذ فتح منزله وأخذ البركة والخلاص، نحن هل سنفتح منزل قلوبنا للمسيح الزائر، الذي يفكر أن يبقى فيها دائماً. إيمان زكا إنتصر على كل ذلك، وإشتياقه، وقلبه التائب أعطوه الخلاص. فبالإيمان الحي العملي نغلب كل ضعف فينا ونرتفع فوق الظروف لنلتقي بربنا يسوع فنخلص. يا زكا أسرع زكا تعني النقي المتبرر فالمسيح سامحه عن خطاياه. عبارة يا زكا أسرع هذه مثل "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة". فالمسيح في كليهما إستخدم الأسماء ليشير لمعاني خاصة. شجرة الجميز ثمارها رخيصة وتشير للأمور الزمنية التافهة، ولا يمكن أن نعاين المسيح ما لم نسمو فوق الأمور الزمنية. وهي تشير أن كل ما جمعه زكا في حياته من أموال ظن أنه متكل عليها، ما هي إلاّ تفاهات. دخول الرب بيت زكا الخاطئ يمثل دخول المسيح إلى جسد بشريتنا وحمله لطبيعتنا نحن الخطاة ليقدس طبيعتنا أبدياً. فالرب يدخل بيتي، أو يدخل قلبي ويتمم الشفاء حين يرى القلب مستعداً. اليوم حصل خلاص لهذا البيت. حينما يتقدس أحد أفراد الأسرة يصير سبب بركة لكل البيت. وهذا لا يمنع أنه في حالة إيمان شخص قد يقف في وجهه كل بيته "أعداء الإنسان أهل بيته" لكن المؤمن يكون بركة لأهل بيته إن كان عندهم إستعداد (1كو14:7).